صاحبي العالة

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما تلتقي به وتجلس معه تشعر بأنه إنسان غاية في الطبيعية، بل ينتابك شعور بأنه أعقل من الكثيرين في هذه الدنيا وهو ليس بالتأكيد أعقلهم إنما في أحيان كثيرة أكثرهم غباءً، يفضل أن يبقى صامتاً في أغلب الأحيان ويميل إلى الاستماع لما يقوله الآخرون، هو مستمع جيد وهادئ جداً ولا يتحدث إلا عندما تكون هناك ضرورة للحديث، يؤمن تماماً في قرارة نفسه بأن خير الكلام ما قل ودل، مع أنه إن تحدث في تلك الحالات النادرة لا يمكن ان تستدل من حديثه لا على ما قل ولا على ما دل!

صاحبي الذي ابتليت بمعرفته منذ سنوات طويلة من الحالات التي تستدعي البحث والدراسة بتعمق شديدين، فهو يبدو طبيعياً إنما لا يريد أن يكون طبيعياً مثل باقي الناس، بروده وهدوؤه الغريبان يقتلانك في كثير من الأحيان، هو الآن على مشارف الثلاثينات من عمره ورغم ذلك لم يعمل في أي جهة حكومية أو خاصة أكثر من مدة شهر واحد، فغالباً ما ينقطع عن العمل أو يقدم استقالته دون وجود سبب مقنع، بل إنه لم يتسلم في حياته أي راتب شهري على الإطلاق.

هذا الصاحب لم يرث الملايين ولا يمتلك والده من الثروة ما يجعله هائماً على وجهه دون عمل، بل إنه نذر نفسه بأن يكون هكذا دائماً طوال سنوات حياته، وأتوقع أن يستمر كذلك إلى يوم يبعثون، لا يريد أن يعمل ولا يريد أن يجتهد ولا يريد أن يفعل شيئاً في هذه الحياة، بل ربما يكون من أولئك القلائل في الدنيا الذين لا يهمهم سوى النوم والاستيقاظ والأكل والشرب ومشاهدة المباريات وتناول بطاطس عمان ولا شيء غير ذلك.

صاحبي نموذج لنوعية من البشر ابتلى العالم بها، فهو يرفض دائماً تلك الفرص التي تتاح له ولكنه في جميع الحالات أبى وعاند واستكبر، هذه النوعية تريد أن تحصل على المال والجاه والزواج والسكن من دون أن تتقدم خطوة واحدة في هذا الاتجاه، تفضل أن تكون من نوع أكل ومرعى وقلة صنعة، الأعذار عند هذه النوعية جاهزة دائماً ما بين عدم توافق نوعية العمل مع الرغبة الشخصية، وما بين عدم تناسب العمل مع المستوى التعليمي أو قلة الراتب والعديد من الأعذار الأخرى المعلبة في عقله الصدئ.

المتعة لدى صاحبي الذي لا أتشرف بأن يكون صاحبي في أن يعيش حياته دون أن يبذل أي جهد يذكر، فالعمل والاجتهاد بالنسبة له ليس مكروهاً فحسب بل هو رجس من عمل الشيطان، لذا أجد صاحبي ومن هم على شاكلته، رغم الهدوء الذي يتسم به له عادات كريهة وطريقة مقيتة في العيش.

فهو يمارس التسول بطرق مختلفة، فتجده يقتنص تلك اللحظة المناسبة ليطلب من أحد أصدقائه مبالغ بسيطة بين الحين والآخر، ثم يكرر ذلك مع باقي الأصدقاء إلى أن يصبح معروفاً بأنه الصديق المتسول، ثم يدب الحياء فجأة في وجهه عندما يشعر بأن الجميع يتحدث عنه فيغيب فترة عن الأنظار يتعرف فيها على أشخاص آخرين ليعود إلى سيرته الأولى، وهكذا يستمر في الحياة، وتمر السنون وصاحبي ومن هم على شاكلته إن هم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً.

نحن في الحقيقة نحتاج إلى دراسة أولئك القادرين على العمل الذين يصرون أن يظلوا عالة علينا، بل يجب أن تسعى الجهات المختصة مثل وزارة الشؤون الاجتماعية وغيرها من الهيئات الاجتماعية لدراسة هذه الحالات والبحث في طريقة التعامل معها، إذ ربما يكون هناك عامل أو مشكلة نفسية أو مرض معين لدى هذه النوعية من الأشخاص، تجعل بينهم وبين العمل حجاب حاجز، فالمجتمع قد يتحمل أولئك الذين لديهم تلك الأسباب المقنعة لعدم العمل، ولكن لا يقبل أبداً بأن يكون البعض متسولين وعالة على المجتمع في زمان يتعين فيه على الجميع أن يعمل.

 

Email