الهوس بوسائل الإعلام الاجتماعي في أميركا

ت + ت - الحجم الطبيعي

انتشرت وسائل التواصل الاجتماعي انتشار الهشيم في النار، وأصبحت هاجس جميع وسائل الإعلام، وأصبح كل شيء اجتماعياً الآن. فما هي أحدث الأدوات الاجتماعية؟ وكيف يمكن لشركة ما زيادة انتشارها الاجتماعي؟

وهل يكرس الصحافيون الوقت الكافي للتواصل الاجتماعي؟ والأمر الذي يدور حوله النقاش بشكل أقلّ، أو لم يناقش على الإطلاق، هو قيمة الشيء الذي ينتشر كالفيروس. فلا يهم، طالما أنه اجتماعي، ومنتشر كالفيروس.

 لقد أصبح هذا الهوس بوسائل الإعلام الاجتماعية، أقرب إلى التقديس في عالم الإعلام. تمتلئ جداول أعمال المؤتمرات الخاصة بوسائل الإعلام، بورش عمل مختصة بوسائل الإعلام الاجتماعية وكيفية استخدام أدواتها لتوسيع نطاق التغطية، ولكن نادراً ما تشاهد مناقشة تدور حول ما الذي ينبغي أن تكون عليه التغطية.

وسائل الإعلام لدينا مستغرقة في ثقافة "الحاضر الذي لا ينتهي"، تلهث باستمرار وراء سبق صحافي سريع الزوال يدوم لثوانٍ فقط، وهو غالباً ليس مهماً في المقام الأول، حتى في اللحظة الوجيزة. مثل العنوان "آخر الأنباء" الذي يشير إلى أن دونالد ترامب كان سيبادر بتأييد مرشح لمنصب الرئيس، أخيراً.

وكما كتب مايكل كالديرون، كبير المحررين في موقع "هافينغتون بوست"، بشأن التأثير الذي أحدثته وسائل الإعلام الاجتماعية في تغطية الحملة الانتخابية لعام 2012، "في مشهد إعلامي يزخر بمواقع مثل تويتر وفيسبوك والمدونات الشخصية وعدد لا يحصى من مصادر الطباعة والبث الرقمية الأخرى، لا يوجد ما هو غير مترابط منطقياً للغاية بحيث يكون منطقياً".

الأمر ليس كما لو أن الوسط الصحافي السياسي، لا يدرك أن هذه الدورة الانتخابية لم تكن حافلة بالمادة. كان الكثير من التعليق في وسائل الإعلام حول سباق الحزب الجمهوري، يدور حول ما اتسمت به المناقشات من طابع هزلي. وهذا صحيح، فقد كانت إلى حد كبير خالية تماماً من أي نقاش فعلي حول المشكلات الحقيقية التي تواجه البلاد.

لكن القليلين ممن يطرحون هذا الموضوع، بذلوا جهداً يذكر للمساعدة في بدء مناقشة أكثر موضوعية.

المخاوف بشأن ما سيقودنا إليه تقدمنا التكنولوجي، ليست شيئاً جديداً. في صحيفة "والدن" التي نشرت في عام 1854، قال الكاتب الأميركي ثورو: "اختراعاتنا لن تكون لعباً جميلة، تصرف انتباهنا عن أمور خطيرة.

وما هي إلا وسيلة محسّنة موجهة إلى هدف غير محسّن، وهو هدف كان بالفعل أصعب ما يمكن الوصول إليه، كما هي الحال بالنسبة للسكك الحديدية التي تؤدي إلى بوسطن أو نيويورك. نحن في عجلة كبيرة لبناء خط تلغراف مغناطيسي من ولاية "ماين" إلى ولاية تكساس، ولكن ولايتي ماين وتكساس ربما ليس لديهما شيء مهم يدعو للتواصل".

في هذه الأيام، تتوق كل شركة لاحتضان وسائل الإعلام الاجتماعية، حتى لو أنها غير متأكدة تماماً مما يعنيه ذلك، وحتى لو أنها ليست على استعداد للتعامل مع الواقع بمجرد تحقيقه. في أواخر العام الماضي، بدأت شركة الطيران الأميركية "كانتاس" حملة عبر وسائل الإعلام الاجتماعي، تطلب من الناس إرسال أفكارهم حول السفر جواً باستخدام الوسم (quantasluxury).

وما تلقوه بدلاً من ذلك، هو عبارة عن الكثير من التعليقات على الصراع الذي أدارته الشركة مع العاملين لديها. وقد كتبت ألكسندرا صموئيل بشأن هذه الواقعة في مجلة "هارفارد بيزنس ريفيو" تقول: "إذا كان كل ما حصلتم عليه هو استراتيجية تسويق في وسائل الإعلام الاجتماعية، إذن ليست لديكم استراتيجية وسائل إعلام اجتماعية على الإطلاق".

ومع ذلك، فلستم مضطرين لأن تنظروا أبعد من ذلك، لتروا أن ثقافة وسائل الإعلام لدينا قد تبنت، إن لم يكن دائماً بعناية، هذا الواقع الجديد، وهو الذي تكون فيه وسائل الإعلام الاجتماعية هي الوسيلة والغاية على حد سواء، والانتشار يعني إنجاز المهمة، بغض النظر عن ماهية ما انتشر.

وكما وصف جيمس ديجوليو في العام الماضي، خلال مقالة كتبها في مجلة "بينزنس إنسايدر" بعنوان "إليكم 10 نصائح لإنشاء فيديو منتشر": "يبدو أنه بين عشية وضحاها قد أصبح الفيديو المنتشر بمثابة شارة التكريم داخل مجتمعات الإعلان... ويبدو أن منظمات الإدارة الجماعية من دونها تبدأ في الشعور وكأنها الطفل الوحيد في الصف الثاني".

والأمر لا يقتصر على عالم الدعاية، فقد ارتقى سائق شركة "ناسكار" براد كيسيلوكسي، إلى الشهرة أخيراً في وسائل الإعلام الاجتماعية، من خلال كتابة تعليق أرسله من سيارته المحطمة على مسارب شارع دايتونا 500.

وتمت إعادة إرسال صورة النيران التي أرسلها أكثر من خمسة آلاف مرة، مع عدد قليل من الشرائط من جهاز آيفون الخاص به، حيث تضاعف ثلاث مرات عدد الأصدقاء الذين دخلوا دائرته على تويتر. ووصفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية ذلك بأنه "أحدث حلقة في مسلسل تطور وسائل الإعلام الاجتماعية".

لكن يجب أن يتحرك التطور في اتجاه شيء ما. ومثل هذه الحوادث، التي تسهم في الهوس بانتشار وسائل الإعلام الاجتماعية وتتم تغذيتها بالزخم أكثر من المعنى، تشير إلى أننا نقوم بتغذية وحش لا نفهمه بشكل تام، أو أنه على الأقل وحش لم نعطه ما يكفي من التفكير لجعله مثمراً ومفيداً قدر الإمكان.

إذا كنت من الإعلاميين وكنت شغوفاً باستراتيجية وسائل الإعلام الاجتماعية أكثر من الأخبار التي تحاول أن تجعلها اجتماعية، فمن المرجح أنك لا تقوم بعملك الفعلي، وهو نقل الأخبار، على نحو جيد. فالهوس غالباً ما يكون مجرد شكل من أشكال تشتيت الانتباه، وأميركا بلد تحب التشتيت. في الإعلام، من واجبنا أن نستخدم كل ما نمتلكه من أدوات اجتماعية، لنقل الأخبار ذات الأهمية، لكن لا ندع هذه الأدوات تصبح خبراً في حد ذاتها.

في يوم من الأيام، سوف يعود المؤرخون على الأرجح مرة أخرى إلى هذا العصر من انتشار وسائل الإعلام الاجتماعية، ويتساءلون بشأن ما كنا نحاول تحقيقه. فإذا لم نتوقف عن الهوس بوسائل الإعلام الاجتماعية على حساب صنع أخبار ذات طابع اجتماعي جوهري، فسوف يكون الجواب: ليس الكثير. إن عصرنا يتطلب استجابة أفضل بكثير..

Email