المتاجرة بالدين

ت + ت - الحجم الطبيعي

مناظر ستتكرر علينا كثيراً في هذه الحقبة من تاريخ الأمة العربية الإسلامية، كمنظر ذاك النائب الذي رفع الأذان في مجلس الشعب المصري.

فما كان من رئيس المجلس ـ وهو من الإخوان ـ إلا أن طالبه بالتوقف وعدم المزايدة، فالمسجد على بعد أمتار! وعندنا في الكويت من أمثال هذا النائب الكثير، إذ عرف البعض كيف يلعب على وتر الدين ليصنع له اسماً ومجداً. خذوا ما صرح به، أو بالأحرى "غرد" به، النائب الجديد أسامة المناور قبل أن تطأ قدماه قاعة عبد الله السالم (قاعة مجلس الأمة)، على موقع التواصل الاجتماعي تويتر.

حيث دعا إلى هدم الكنائس في الكويت، ثم حينما لقي تصريحه ذاك استنكاراً واستهجاناً، وحقق ما كان يصبو إليه شخصياً من شهرة وصيت ودغدغة لعواطف قطاع معين من الجمهور، استدرك بتصريح آخر، حيث كما يقول مثلنا الخليجي "بغى يكحلها عماها"، إذ قال إنه لم يقصد الكنائس القديمة، بل إنه سيعترض على أي ترخيص يصدر لبناء كنيسة جديدة (القبس 19/2)!

ولا نعلم إن كان النائب الفاضل على علم بالمادة الـ35 من دستور الكويت، التي تنص على أن "حرية الاعتقاد مطلقة"، وأن النائب الفاضل مطالب بأن يقسم على احترام دستور دولة الكويت وقوانينها في أول جلسة لمجلس الأمة، أم أن هذا التصريح هو عمل دعائي بحت، وفاتحة للمحافظة على زخم الدعم الذي أوصله لسدة المجلس؟

ثم إن كانت الكنائس التي لا يريد أن يصرح ببنائها ـ وهي بالمناسبة للمسيحيين وهم من أهل الكتاب ـ فكيف يكون الحال مع بقية الأديان التي تمتلئ الكويت بأتباع لها؟!

ولعل هذه النظرة نحو الأديان الأخرى، السماوية وغيرها، هي النظرة الحقيقية للجماعات الإسلامية مهما تنوعت مذاهبها وتوجهاتها، فما زالت هذه الجماعات لم تؤمن بالمواطنة وبالمساواة بين الناس، وبالتالي بحقهم في التعبد كما شاؤوا. وهي نظرة مدمرة، خاصة بالنسبة للمجتمعات العربية والإسلامية التي تتنوع انتماءات مواطنيها إلى شتى الأديان والمذاهب. ونحن نرى آثار هذه النظرة على أرض الواقع في العراق مثلاً.

حيث يقود التعصب المذهبي إلى عمليات انتحارية يذهب جراءها العشرات بل المئات. وربما لا نشك في نزاهة وصدق رئيس السن للجلسة الافتتاحية لمجلس الأمة الكويتي، النائب خالد السلطان، السلفي والقريب من أوساط الطبقة التجارية، غير أن ما طرحه في تلك الجلسة من نيته الانقضاض على "الفوائد الربوية"، التي هي "أخطر المعاصي" على حد قوله، إنما يأتي في هذا الجو الذي تم خلقه. فالنائب الفاضل.

وهو نائب مخضرم، يعلم قبل غيره أن المادة الثانية التي تعتبر الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً للتشريع، لم تغلق الباب أمام "أسلمة القوانين"، ثم إن "استعجال السلطان ومن يؤيده في المجلس، يعتبر محاولة لضرب أحد أهم أركان النظام المصرفي والمالي الذي قامت عليه الكويت منذ أكثر من ستين سنة، وحققت من خلاله نجاحات لا يستهان بها"، كما ذهبت افتتاحية القبس، القريبة من غرفة تجارة وصناعة الكويت (17/2).

ويظهر التكسب السياسي من وراء رفع الشعارات الدينية، وعلى رأسها تطبيق الشريعة الإسلامية وجعلها المصدر الوحيد للتشريع، في فهم هؤلاء الضيق للشريعة الإسلامية، وقصرها على تلك المسائل المتعلقة بالحدود كحد الزنا والسرقة والقتل وغيرها.

وتلك بالطبع لها ظروف لا بد أن تتهيأ قبل تطبيقها، ومنها العدالة الاجتماعية في حد السرقة، كما ذهب النائب الكويتي فيصل الدويسان، وهو إسلامي معتدل يعارض الدعوة المتعجلة لتعديل المادة الثانية من دستور الكويت، ويراها متاجرة بالدين (الوطن، 27/2). والحق، أن الشريعة الإسلامية لا تقتصر على تلك الحدود، بل لا بد لمن يدعون إلى ذلك ـ إن كانوا جادين ـ أن يتأملوا حياتنا الاجتماعية، وبالذات في بلد كالكويت، ويطرحوا حلولاً لمشكلاتنا.

فما الذي يمنع هؤلاء مثلاً من استصدار قانون للجنسية على ضوء الشريعة الإسلامية؟ ومن الذي وقف ضد حل مشكلة البدون وفق منظور إسلامي، أو إلغاء "الكفيل" لأنه أخذ مال الآخرين ممن يطلبون الرزق الحلال في ديارنا بغير وجه حق؟ وقس على ذلك الكثير..

وهؤلاء يعلمون علم اليقين أنهم لو طرحوا مثل هذه الحلول في مجتمع كالمجتمع الكويتي، لما أعطاهم أحد صوته. وهم أيضاً داخل أروقة المجلس، لن يسعوا لمثل هذه الحلول، فإرضاء الناخب وخطب وده هي الغاية.

ويستطيع هؤلاء فقط إثارته في مسائل أخلاقية أو خلافية أو غيرها. والأمر أيضاً قد يواجهه من ركبوا الموجة الإسلامية في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا والبحرين وغيرها، فما أسهل تعبئة الجماهير وحشدها على أساس ديني.

وما أصعب أن يتحول الدين في نفوس هؤلاء إلى طاقة بناءة! ولا شك أن إفشال مخططات هؤلاء في استغلال الدين لأغراض سياسية شخصية، لن يتأتى إلا بالوعي وبمطالبة هؤلاء ببرامج تفصيلية لمعالجة المشكلات المستوطنة في مجتمعاتنا.

 

Email