القطيعة تتسع في الانتخابات الأميركية

ت + ت - الحجم الطبيعي

نظرا لأن أميركا تواجه مشكلات هائلة، ولا تزال تشق طريقها للخروج من أسوأ أزمة مالية منذ الكساد الكبير، فقد يتوقع البعض أن المناقشات التي تبدو بلا نهاية، والتشبع الخانق من التغطية الإعلامية التي صاحبتها، كلها ستلتقي في مناقشة حقيقية لمشكلاتنا الكبرى. ولكن ذلك يحدث في حال لم يكونوا منتبهين فحسب.

ورغم أن أميركا في حاجة ماسة للحلول، وأن الجمهور متعطش لنقاش حقيقي، فإن ذلك لم يكن ما تم تقديمه في ولاية ايوا ولا في ولاية نيوهامشر، مثلا، سواء من جانب المرشحين أو من جانب المجموعة الواسعة من وسائل الإعلام التي قامت بتغطية كل كلمة. وما حصلنا عليه بدلا من ذلك، كان طوفاناً من الإعلانات الهجومية، الممولة بشكل كبير من قبل لجان العمل السياسية التي سمح بها قرار منظمة "اتحاد المواطنين".

 ووفقا لبيانات مركز سياسات الاستجابة، فقد تم تشكيل 264 لجنة عمل سياسية من أجل السباق الرئاسي لعام 2012، وقد أنفقت تلك اللجان بالفعل ما يقرب من نصف الـ32 مليون دولار التي كانت قد جمعتها. ففي ولاية أيوا، أنفقت لجان العمل السياسية ما يقرب من 13 مليون دولار، 4,6 ملايين منها تم إنفاقها نيابة عن ميت رومني.

وما الذي تم إنفاق كل تلك الأموال عليه؟ وفقا لمجموعة تحليل الحملات الإعلامية، فإن 45% من الإعلانات كانت إعلانات سلبية وتركز على نيوت غينغريتش. وهذه هي طريقة عمل السياسة الجديدة. وبالطبع، فقد كانت الإعلانات السلبية موجودة منذ الأزل، ولكنها الآن يمكن أن تشكل جزءا كبيرا من رسالة مرشح ما، وقد يتم تكليف جماعات خارجية غامضة بتنفيذها. وهذا ما مكن ميت من تحييد نيوت، بينما كان يتسكع متملقاً وهو يردد كلمات أغنية "أميركا الجميلة"، ويلقي نكات مبتذلة عن "الذرة باعتبارها موجة صفراء من الحبوب".

وتظهر النتائج أن الدعاية السلبية تجدي نفعاً، إذا كان تعريفكم لـ"النفع" أنه كل ما يساهم في تصعيد سلبيات الخصم، إلى جانب تصعيد تشاؤم الناخبين واستسلامهم ويأسهم من نظامهم السياسي.

ومع أن وسائل الإعلام صورت المؤتمرات الحزبية باعتبارها نضالاً شرساً في سبيل تحديد المرشح الذي سينقل غضب جمهوريي ولاية أيوا، الذين كانوا يتوقون إلى إخراج الرئيس الأميركي باراك أوباما من سدة الحكم، فإن الحقائق تروي قصة مختلفة. وربما حقق رومني فوزاً هزيلاً، إلا أن نسبة التصويت التي مكنته من الفوز، تقل عن النسب التي حصل عليها غيره من المرشحين الفائزين من ولاية أيوا منذ بداية المؤتمرات الحزبية، بل وتقل عن تلك التي حصل عليها هو عام 2008.

وإجمالاً، بلغ عدد سكان أيوا الذين حضروا عملية التصويت 122 ألف شخص فقط، أي 19.9% من الجمهوريين المسجلين، بانخفاض من 21,1% عام 2008. ولوضع تلك الأرقام في سياقها الحقيقي، فإن ما يقارب ضعف ذلك العدد، 240 ألف شخص، حضر المؤتمرات الحزبية الديمقراطية عام 2008. وربما يعود ذلك إلى حقيقة أن الأميركيين لديهم ما يشغلهم، إلى جانب لقاح فيروس الورم الحليمي البشري، ووسائل منع الحمل، والوكالات الفيدرالية المعرضة للإغلاق، ومسيرة الاشتراكية الأوروبية.

ووفقا لأحدث الاحصائيات، فقد وصل معدل البطالة إلى 8,5%، بانخفاض قدره 0,6% فقط عما كان عليه في أغسطس 2011. وبالكاد تغير عدد العاطلين طويلي الأمد ليصبح قريباً من 5,6 ملايين نسمة، وهو ما يمثل أكثر من 42% من العاطلين عن العمل. ولم تتغير نسبة العمالة إلى عدد السكان عما كانت عليه في الشهر السابق، أي 58,5%.

ويمكن الآن تصنيف ما يقرب من نصف سكان أميركا، على أنهم إما فقراء أو من ذوي الدخل المنخفض. وعمد جايسون ديبارل، في صحيفة "نيويورك تايمز"، إلى تفصيل خمس دراسات رئيسية، أظهرت تراجع الحراك الاقتصادي في الولايات المتحدة، التي تتخلف الآن عن معظم الدول الأوروبية وعن كندا. وقالت إيزابيل سهيل، وهي خبيرة اقتصادية من معهد بروكينغز: "بات من الحكمة التقليدية، القول إن الولايات المتحدة لا تضاهي في حراكها معظم البلدان المتقدمة الأخرى. ولا أعتقد أنكم ستجدون الكثير ممن لا يوافقون على ذلك".

ولكنكم لن تجدوا أيضاً العديد من المرشحين الذين يتحدثون عن هذا الأمر، حيث صرح جون بريدجلاند، مساعد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، الذي ساهم في تأسيس حملة "دولة الفرص"، بأنه "فوجئ" بموقع أميركا نسبة إلى أوروبا وكندا. وقال: "لن يشعر الجمهوريون بأنهم مجبرون على التحدث عن عدم المساواة في الدخل، ولكنهم سوف يشعرون بحاجة إلى التحدث عن الافتقار إلى الحراك، وهو ما يعيق الوصول إلى الحلم الأميركي".

حسنا، إذا كانوا يشعرون بتلك الحاجة، فهم يجيدون مقاومتها. وهم بلا شك يتحدثون عن فرص العمل، ولكنهم يفعلون ذلك غالباً في إطار منافسة هزلية، على لقب من يمكنه الخروج بالمزاعم الأكثر إثارة حول الاشتراكية المعادية لأميركا، والدخيلة الكينية الأوروبية التي يعتمدها الرئيس أوباما. وقد يساهم ذلك في تغذية غضب أقلية صغرى من الأميركيين، ولكنه لا يساهم مساهمة كبيرة في إقناع الغالبية منهم، بأن أيا من المرشحين يفهم المشكلات الاقتصادية التي نواجهها.

ربما هذه الفجوة، بين ما يهم الأميركيين حقاً وما يتحدث عنه المرشحون ووسائل الإعلام التي تتبعهم، هي التي تسببت في حقيقة أنه على امتداد معظم عام 2011، وصل معدل رضى الأميركيين عن طريقة سير الأمور إلى 17% فقط، وذلك وفقاً لمعهد "غالوب".

وربما كان ذلك هو السبب في أن الكونغرس اختتم عام 2011 بمعدل تأييد يصل إلى 11%، وهو انخفاض قياسي، أو في أن 27% من الأميركيين فقط قالوا إنهم يفكرون في الحزب الجمهوري بشكل إيجابي. والديمقراطيون ليسوا أفضل بكثير، إذ لم تتجاوز نسبة تأييدهم 32%.

والذي تظهره هذه الأرقام، وتلك المتعلقة بإقبال الناخبين في ولاية أيوا، هو أن الأميركيين غير راضين عن الاقتصاد، والكثير منهم غير راضين (لأسباب مختلفة) عن استجابة الرئيس أوباما للاقتصاد. ولكن الإشارة إلى ذلك، ببساطة، ليست كافية لإقناع الناخبين بأن أياً من المرشحين يستطيع القيام بعمل أفضل. ويكمن الحل في ما يريده الناخبون، وما تحتاجه أميركا، وليس في عاصفة أخرى من الإعلانات الهجومية الجبانة، والممولة من قبل مصادر مجهولة.

 

Email