الضرورات تبيح المحظورات

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يعط أعضاء كتلة حركة حماس في المجلس التشريعي بغزة أنفسهم الوقت الكافي، لإبداء موقفهم من ما أصبح يعرف «بإعلان الدوحة»، الذي نجم عن اتفاق تم التوقيع عليه من قبل الرئيس محمود عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل برعاية أمير قطر، الأمر الذي طرح على السطح، خلافات غير معهودة داخل الحركة التي تتسم بوحدة الموقف وصرامة الالتزام، والتشدد الإيديولوجي.

على أن أمر الخلاف حول إعلان الدوحة، تجاوز كل محاولات التخفيف، والتهوين من أثره على وحدة الحركة، في ظروف هي أحوج ما يكون إلى وحدة الصف والموقف، حين ذهب القيادي في الحركة الدكتور محمود الزهار، في تصريحاته الانتصارية إلى ما هو أبعد بكثير من الملاحظة النقدية التي سجلتها كتلة الحركة في التشريعي والتي اقتصرت على أن إعلان الدوحة ينتهك القانون الأساسي الفلسطيني الذي لا يجيز الجمع بين منصبي رئيس السلطة ورئيس الحكومة.

في تصريحاته أشار الزهار إلى أثر «الإعلان السلبي على استراتيجية الحركة، وإلى خلاف الحركة مع البرنامج السياسي للرئيس الفلسطيني، وشكك في صلاحية الرئيس للنهوض بمسؤولية عن الحكومة التي سيتم تشكيلها»، كما انتقد موقف رئيس حركة حماس. على أن الأمر لم يطل كثيراً، حتى نجح رئيس الحركة مشعل عبر مؤسساتها القيادية في جمع كلمة الحركة.

بحيث جاءت التصريحات اللاحقة، تؤكد على وحدتها، ووحدة موقفها الداعم لإعلان الدوحة، ولمسيرة المصالحة الوطنية، واجتهد أعضاء المجلس التشريعي من حماس، في إخفاء الإيجابية على الموقف الذي قال بمخالفة الإعلان للنظام الأساسي، بادعاء أن المقصود من الملاحظة هو البحث في السبل القانونية للتكيف بما يسمح بتمرير الإعلان بدون الوقوع في مخالفة صريحة للنظام الأساسي.

الدكتور الزهار هو الوحيد تقريباً من بين قياديي الحركة الذي واصل ملاحظاته الانتقادية للإعلان، باستهدافاته وآثاره، وكيفية التوصل إليه، الأمر الذي يدفع المراقبين السياسيين لمواصلة الاهتمام بشأن مستقبل حركة حماس ومستقبل المصالحة الوطنية.

لا يتوقف اهتمام المراقبين على ما ورد من ردود فعل خلافية حول الإعلان من قبل قيادات في حركة حماس، بل ذهبوا إلى ما قبل ذلك، حيث حظي باهتمام بالغ تصريح الأخ مشعل بشأن عدم رغبته في تجديد دوره كرئيس للحركة لولاية جديدة، إذ فسر بعض هؤلاء تلك الرغبة على أنها انعكاس لوضعية الحركة بعد التغييرات التي وقعت في عدد من الدول العربية خصوصاً سوريا.

في الواقع جاء إعلان الدوحة، وتوحيد موقف الحركة بشأنه بهذه السرعة القياسية ليؤكد رسوخ دور وصلاحية المكتب السياسي، ورئيسه، ليؤكد أيضاً قدرة القيادة الحمساوية على الحفاظ على وحدة وتماسك الحركة، ورسوخ التحولات الجارية فيها والتي يقودها منذ بعض الوقت الأخ خالد مشعل باقتدار، خصوصاً فيما يتعلق بالمصالحة الوطنية، بكل ما تنطوي عليه من استحقاقات.

تدرك قيادة الحركة، أن ثمة عوامل مستجدة في الوضعين العربي والفلسطيني، تمنحها فرصة تاريخية للانتقال المتدرج، نحو اكتساب الشرعية، والمنافسة على المؤسسة والقرار والتمثيل الفلسطيني، وبالتالي تحقيق طموحاتها وبرنامجها وأهدافها بإضفاء البعد الإسلامي على كل ما يتصل بالشأن الفلسطيني.

لقد أفضت التغيرات في المغرب وتونس ومصر، إلى تقدم كبير حققته حركة الإخوان المسلمين التي تشكل حماس فرعها الفلسطيني، حتى باتت هذه الحركة مؤهلة لقيادة المرحلة المقبلة، وبما يشكل دعماً قوياً وأكيداً لحركة حماس، ولتعزيز دورها وتجربتها على الصعيد الفلسطيني. يتحدث الناس عن الربيع العربي.

ويتحدث الإسلاميون عن الربيع الإسلامي ونهضة المشروع الإسلامي، الأمر الذي يقتضي التكيف في الخطاب والبرنامج والوسائل، مع مرحلة جديدة تسمح للإخوان المسلمين بتقديم مشروعهم، وخوض غمار التجربة من موقع المسؤولين الأولى على قمة الهرم السياسي في أكثر من بلد.

يترافق هذا التطور، مع أشارات واضحة من قبل الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية، للتعاون مع القوى الجديدة، شرط أن تبدي هذه القوى تفهماً للالتزامات والاتفاقيات والمصالحة التي تتصل بسياسات واستراتيجيات هذه الدول بما في ذلك المحافظة على اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل.

وبصفة عامة تنسحب هذه الوجهة على حركة حماس في فلسطين، التي لم يعد مطلوباً منها الاستجابة لشرط الاعتراف بإسرائيل، طالما انخرطت في منظمة التحرير الفلسطينية التي اعترفت سابقاً بإسرائيل ولم تسحب اعترافها حتى الآن.

وعلى ذات الخط، يمكن القول إن حركة حماس أصبحت مقبولة نسبياً من طرف الدول الغربية، ذلك أنها تواصل الانخراط في السلطة الفلسطينية، بما ينطوي عليه من استحقاقات، وطالما أنها تبدي سلوكا منضبطا إزاء موضوع استخدام العنف ضد إسرائيل بدليل التزامها بالتهدئة في قطاع غزة، وقبول رئيسها في وقت سابق لاعتماد المقاومة الشعبية كأولوية وذلك خلال لقائه بالرئيس محمود عباس في ديسمبر الماضي في القاهرة.

ثمة إذا محاولة من قبل حركة حماس للتكيف مع طبيعة المرحلة المقبلة، التي تشهد تصاعداً لدور الحركات الإسلامية، والتي تبدي مرونة معقولة إزاء النظر لمصالح الآخرين.

فلسطينياً، تدرك حركة حماس، أن خط التسوية قد تم إغلاقه بفعل إسرائيل وعجز واضح من قبل الرباعية الدولية، الأمر الذي يجعل من خيار المفاوضات الذي يتمسك به الرئيس محمود عباس، مجرد تكتيك سياسي يهدف إلى فضح وعزل إسرائيل وسياستها، وكسب المزيد من التأييد والتضامن الدولي مع المواقف الفلسطينية.

الرئيس عباس، كان قد برع من على مقر الأمم المتحدة في أيلول الماضي، في فضح السياسات الإسرائيلية، وبالمقابل في إعادة طرح التمسك بالثوابت والحقوق الفلسطينية، على نحو استقطب بشكل واضح، تأييد الجماهير الفلسطينيين. ومرةً أخرى عاد وأكد على المواقف ذاتها خلال كلمته أمام الاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب يوم الحادي عشر من الشهر الجاري.

لقد استعاد الرئيس محمود عباس القدرة على الإمساك بالمشروع الوطني، والموقف من الثوابت والحقوق الفلسطينية، مما يقلص، وقد يبدد، الخلاف بين حركة فتح وحركة حماس وفي الساحة الفلسطينية عموماً بشأن البرنامج السياسي.

هذه المتغيرات تضع الأطراف الفلسطينية الرئيسية والفاعلة، أمام حقائق جديدة، تجعل من موضوع المصالحة الوطنية، أمراً يرقى إلى مستوى الضرورة الوطنية، التي لا يستطيع أحد معارضتها، أو التخلي عن دوره الإيجابي إزاء المساهمة في إنجاحها. غير أننا ونحن نتحدث عن المصالحة كمسار ضروري ينبغي أن ننتبه إلى أمرين:

الأول هو أن هذه المصالحة ليست اتفاقا يمكن تنفيذه بضربة واحدة، بل هو عملية نضالية طويلة، أما الثاني فهو ضرورة الحذر من التأثير السلبي للجماعات التي استفادت من مرحلة الانقسام ولا ترى لها مصلحة في إنجاح المصالحة. ما عدا ذلك فإن المصالحة تتجه نحو التقدم التدريجي، لا يحول دون نجاحها سوى العقبة الإسرائيلية، التي ستتجند بكل طاقاتها لإفشالها.

 

Email