وأنا أحب الإمارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحبون الحديث يا سادة عن أصولنا جميعاً، من أين أتينا، وما هي فصائل دماء أجدادنا، متى نزلوا على ساحل هذا البلد أو متى عبروا الصحاري المحيطة بنا كي يستقروا في أنحائه، وعما إذا كان اليمن (يتم اختيار هذا البلد دائماً) هو المنبع الأصلي لهجرات وتدفقات أجدادنا الأولى إلى زوايا الدنيا الأربع.

يجب أن أقر أن أصواتاً كثيرة سترتفع بالاعتراض على الحديث علانيةً عن «عرب» و«عيم»، سيقول البعض: لا داعي لإثارة الحساسيات، وسيتأفف البعض ذاكرين أن التوقيت غير مناسب، وسيتحجج البعض بأن الدولة الإماراتية لم تميز بشكل يذكر بين مواطنيها فلما إثارة هذه المواضيع التي لا تجلب سوى ردود فعل متشنجة.

مع تقديري لكل هذه الاعتراضات وطيب نوايا أصحابها فإنها تذكرني بالشعار الشهير السيئ السمعة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة».

فلننسى الحساسيات والعصبيات والحزازات التي في النفوس ولنتحدث عن أنفسنا كما نحن في الحقيقة، ألا يجدر بنا الكلام عن التركيبة السكانية والعرقية الإماراتية كما نفعل دائماً عن التركيبة الأخرى الجاثمة على الصدور. الموضوع أبسط وأسهل مما تتصورون.

وهذا حديث يغمرني بمشاعر كثيرة، وحتى عنوان المقال يبدو لي غريباً «وأنا أحب العرب والعيم» هل هو اعتراف؟ ولم إذاً تعودنا أن «نعترف» عندما نحب؟.

أنا أحب العرب بسبب جميع الخالات الطيبات اللواتي أحطنني برعايتهن وحبهن لي منذ صغري، من هؤلاء الخالات تشربت الكثير من مياه السماحة وقبول الآخر بأريحية وسهولة نفس، وأنا أدين لهن كذلك بتذوقي واستملاحي للهجة دبي العذبة الرقيقة، لكن هناك شيء آخر أكبر أدين به للعرب، إنها حياتي، تحكي أمي لي بانكسار كيف ظللت أبكي بعنف وبلا انقطاع لمدة أربعين يوماً متتالية بعد ولادتي مباشرة، وبعد فشل كل الحبوب والأدوية في إسكاتي، حملني الوالد إلى إمام الحي (كنا نسميه المطوع خليفة على ما أذكر) والذي أنهى بقراءة قرآنية واحدة آلامي، كما حفر عميقاً في ذاكرة الطفل الذي كنت.

وصلنا لمنتصف المقال، لأعيد طرح السؤال، لم إذاً الكتابة عن هذا الموضوع؟ أقول: إنني في لحظات الحزن الذي يصيبني من تصرفات بعض الإماراتيين، أو القلق الذي يعتريني على مستقبل البلد ونسيجه الاجتماعي وأنا أرى عقليات بعض أبنائه، أقول إني في مثل هذه اللحظات أستعيد كل وجوه الأحباب وكل المواقف وكل الذكريات التي رسخت في داخلي معاني الانتماء لهذه الأرض، لتنتشلني من نوبات الإحباط ولتجعلني أحلم بإمارات أفضل.

الحقيقة إن علاقتي مع العيم أو عرب الهولة أو عرب فارس (أعترف بأن جميع هذه التسميات تؤدي لمعنى واحد داخل عقلي) حميمية جداً بل تكاد تكون شبه روحية، أغلب الاكتشافات العقلية والحياتية والعاطفية التي قمت بها ارتبطت بالعيم، أو على الأقل كان هناك عيمي بشكل دائم في كل تلك اللحظات المفصلية في تكويني الخاص والعام، أول كتاب قرأته في حياتي أهداه لي صديق عيمي، أول نقاش فكري تسبب بهز قناعاتي كان مع عيمي، أول مرة أسافر فيها للخارج من دون مرافقة الأهل كان مع عيمي، أول حادث مروري تعرضت له بعد استخراج رخصة القيادة مباشرة كان بسبب عيمي وكنت بصحبة عيمي طبعاً، وهل أجرؤ على القول إنني عندما كنت طفلاً يانعاً ومشاغباً تورطت في قصة حب صامتة جداً ومن مسافة بعيدة مع (...)، وسأضيف أيضاً إنني كثيراً ما أسأل بين الحين والآخر: هل أمك عيمية؟

أنا لي عدة أمهات، إحداهن عربية والأخرى عيمية، وأنا في النهاية نتاج هذه الكيمياء الساحرة التي اتفق الناس على تسميتها الإمارات، ورغم القبح الذي يخرج بين الفترة والأخرى من بعض الأفراد على هذه الأرض، إلا أنني واثق ومتفائل أن هذه الإمارات، وهي كائن دائم التحول والتغير يعيد تعريف نفسه ونحن نشعر ولا نشعر، ستحافظ دائماً على تراث التسامح الذي أسسه التعايش بين مكوناتها المختلفة، انتهى المقال.

Email