التغيير الأميركي يبدأ على الصعيد المحلي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يسبق للتباين بين القادة الأميركيين الوطنيين والمحليين أن كان أكثر وضوحا. فالأميركيون على الصعيد الوطني مشلولون ومستقطبون، والمؤسسات التي أدى فشلها إلى أكبر أزمة اقتصادية منذ الكساد الكبير لا تزال مكسورة، واحتمال أن يخرج، ولو في المستقبل المنظور، أي تفكير إبداعي أو حلول حقيقية أو تغيير ذي مغزى من واشنطن، يبدو مثيراً للضحك.

ولهذا السبب أعتقد أن الحلول التي تتطلع إليها أميركا بشدة، ستأتي على الصعيد المحلي من رؤساء البلديات والمواطنين الملتزمين، الذين يعملون جنباً إلى جنب مع مجتمعاتهم. إن مدننا، لا عاصمة الدولة، هي التي تمثل مصنع الأفكار الحقيقي لبلادنا. وقصر البلدية، لا البيت الأبيض، هو الذي يرجح أن تنشأ منه قرارات جريئة. وأي منزل في شوارعنا، لا مجلس النواب، هو الذي يرجح أن تنبع منه مشاريع من شأنها أن تجعل مجتمعنا مكانا أفضل للعيش فيه.

وكلما أصبحت دولتنا أكثر استقطابا على المستوى السياسي الوطني، ازدادت أهمية تعزيز القواسم المشتركة بيننا على المستوى المحلي، حيث يهتم الناس بالأمور التي طالما اهتموا بها، أي أبنائهم وأسرهم ومدارسهم ومجتمعاتهم. ورؤساء البلديات هم في أفضل وضع للاستفادة من هذه الروابط، لا سيما أن العديد من قادتنا الوطنيين تخلوا عن مجرد المحاولة.

وعلى الصعيد المحلي، ما زلنا قادرين على العمل بالنصيحة التي أسداها الرئيس الأميركي باراك أوباما في العام الماضي، حين دعا إلى "شحذ غريزة التعاطف لدينا" و"توسيع دائرة اهتمامنا باستمرار، لكي يتسنى لنا توريث الحلم الأميركي لأجيال المستقبل".

ومن الواضح بشكل متزايد، أنه من أجل أن تتسع تلك الدائرة على الصعيد الوطني، فلا بد لها أن تتسع أولاً على الصعيد المحلي، وفي جميع أنحاء أميركا، هناك رؤساء بلديات يعملون جاهدين على تحقيق ذلك بالضبط، وهم في بداية نضالهم. وكلما فقد المزيد والمزيد من الناس ثقتهم في المؤسسات الوطنية، ازداد تحولهم إلى ما هو محلي، إلى ما يمكنهم أن يروه ويلمسوه ويشعروا به. وهذا يقدم لرؤساء البلديات فرصة كبيرة، وتحديا كبيرا في الوقت ذاته.

ويواجه كثيرون هذا التحدي وجهاً لوجه، مثل كوري بوكر، رئيس بلدية نيوآرك، الذي انضم مؤخراً إلى قائمة "القادة الـ12 الذين ينجزون الأمور"، في مجلة "رولينغ ستون". فخلال العاصفة الثلجية الكبرى التي شهدها عام 2010، أحسن بوكر استخدام صفحة "تويتر" الخاصة به والتي تضم أكثر من مليون من أنصاره، من خلال الاستجابة شخصيا لأية مناشدات بشأن الطرق والشوارع المغطاة بالثلوج.

بل وتوفير حفاظات الأطفال لإحدى مستخدمات "تويتر"، التي كانت قد صرحت بحاجتها إليها. كما استخدم وسائل الإعلام الاجتماعية للبقاء على اتصال مع سكان مدينته خلال إعصار "ايرين"، وهو يستخدم موقعي "فيسبوك" و"يوتيوب" لتنظيم دوريات ليلية يشارك فيها في كثير من الأحيان. وفي الآونة الأخيرة، استخدم كل من "فيسبوك" و"تويتر" ليتحدى سكان مدينته بأنه سيحسن من لياقته البدنية، وطلب منهم المشاركة والتحدث عما يقترحونه من حلول للياقة في العام الجديد.

وفي بورتلاند، في ولاية أوريغون، وبينما كان قادتنا الوطنيون مشلولين بشأن تغير المناخ، أعلن رئيس البلدية سام آدامز، في خطاب "حالة المدينة" الأول الذي ألقاه، أنه سيجعل من بورتلاند "المدينة الأكثر استدامة على مستوى العالم".

وفي سبيل تحقيق هذه الغاية، وضع "خطة عمل مناخية" يتوقع لها أن تخفض انبعاثات الكربون بنسبة 80% بحلول عام 2050، وأطلق برنامجا رائداً للتعديلات التحديثية الخضراء، وخصص ميزانية بقيمة 20 مليون دولار لـ"جادات الدراجات الهوائية". كما حصل على منحة فيدرالية بقيمة 2,4 مليون دولار.

واستخدمها كرأس مال مخاطرة لبرنامج "أعمال الطاقة النظيفة". وقال: "كان بإمكاننا أن ننفقها على المرافق والمباني الخاصة، الأمر الذي كان من شأنه أن يكون مباشراً وملائماً من الناحية السياسية بدرجة أكبر. إلا أننا، بدلا من ذلك، أردنا أن نخرج بعائد على الاستثمارات في صناعة جديدة".

وفي لوس أنجلوس، حجز رئيس البلدية أنطونيو فيلارايجوسا، مكاناً لنفسه في قائمة "رولينغ ستون"، من خلال دفعه لما يقرب من 70% من سكان مدينته الذين صوتوا في عام 2008، إلى التصويت لصالح مشروع "ميجر-آر"، وهو مشروع من شأنه أن يستخدم ضريبة مبيعات بقيمة نصف سنت، لجمع 35 مليار دولار من أجل تنفيذ مشاريع في مجال النقل.

بما في ذلك السكك الحديدية ومترو الأنفاق. نعم، في مكان يعرف باسم مدينة السيارات الأولى، بدلا من الرضوخ للأمر الواقع، عمد فيلارايجوسا إلى التفكير خارج نطاق ذلك الصندوق المتدحرج الذي يزن طنين، والمواطنون يستجيبون.

وإحدى النقاط الأخرى التي تضيء في الأفق المحلي هي حقيقة وجود عدد متزايد من المنظمات المبتكرة لمساعدة رؤساء البلديات الحريصين على التوصل الى حلول. وإحدى تلك المنظمات منظمة "كود فور أميركا"، التي، بعد نموذج "تيتش فور أميركا"، تعمل على إدخال الشباب المحترفين في مجال التكنولوجيا في حكومات المدن، التي تحوي كمية كبيرة من البيانات، ولكنها لا تملك ما يكفي من الموارد لتنظيمها على النحو الذي يجعلها مفيدة للمواطنين.

وحتى الآن، تتضمن مشاريع "كود فور أميركا" مشروع "تبنى خرطوم مطافئ"، الذي يسمح للناس بالتطوع من أجل الحفاظ على خراطيم المطافئ خالية من القمامة والثلج، ومشروع "حديث الصف"، الذي يتيح للمعلمين أن يتصلوا بطلابهم بشكل فوري، عن طريق الرسائل النصية والبريد الإلكتروني.

إذا كان التغيير الحقيقي سيحدث، فإن الحلول ستأتي من مدننا ومجتمعاتنا المحلية، ورؤساء البلديات هم في أفضل وضع لحشد تلك الأفكار والدفاع عنها وإيصالها إلى السوق. وإذا أردنا الخروج من المشكلات المتعددة التي وقعنا فيها، فإن مجتمعاتنا المحلية هي التي ستقودنا.

 

Email