بين صالح الشيحي وعائض القرني

ت + ت - الحجم الطبيعي

في أقل من شهر اندلعت هاتان الفضيحتان، ولعلكم تعلمون جميعاً ما فعل الداعية الشهير عائض القرني بالكاتبة سلوى العضيدان، أما صالح الشيحي فهو صحفي سعودي كان مدعواً لأحد تجمعات المثقفات والمثقفين السعوديين (بمعنى أنها مختلطة) في فندق من فنادق الرياض، ما شاهده الشيحي في بهو ذلك الفندق دفعه للحديث عن "العار" و"الخزي" الذي يميز سلوكيات مثقفي التيار الليبرالي السعودي، وأن مشروعهم الفكري يدور باختصار حول المرأة!

الفضيحة جزء من التاريخ، وهي طبعاً جزء من ذاكرة الجنس البشري، ظلت أميركا تعيش سنوات بعد اغتيال الرئيس جون كينيدي على ذكراه الرومانسية، وهو الذي خطب بأناقة حريرية عن كل شيء، من مساواة السود بالبيض إلى عالم خال من السلاح النووي، إلى نيته إرسال الإنسان للقمر. مسكين جيل الستينيات الأميركي، الذي صفق كثيراً وتابع طويلاً ذلك الرئيس الشاب ذي الدماء الأيرلندية الكاثوليكية، ليستيقظ فجأة على أخبار مغامرات كينيدي العاطفية مع مارلين مونرو وغيرها.

حافظ الأميركيون لكينيدي على مكانة شبه أسطورية في ذاكرتهم كأمة.. نعم، ظلت المطابع تخرج عشرات الكتب سنوياً تتحدث عن تفاصيل علاقات كينيدي وغرامياته، لكن الأميركيين واصلوا إظهار الاحترام لرئيسهم الخامس والثلاثين، لأنهم في النهاية يعلمون أن هناك فرقاً في النهاية بين كينيدي الإنسان وكينيدي الذي حكمهم ثلاثة أعوام.

وهل تعلمون أن كثيراً من المنعطفات التاريخية الكبرى والشخصيات المهيبة، تقف على جبل من الفضائح؟ وأن القصور إذا أخليت من ساكنيها يوماً فستبوح لنا بما لم نتوقعه!

وهذا الجانب هو ما لفت نظري في كل ما أثاره الصحفي صالح الشيحي، ثم ما أعلن عن السرقة الأدبية للدكتور عائض القرني والحكم عليه بدفع غرامة لضحيته الكاتبة سلوى العضيدان، إنها الفضيحة. في الحالتين كان رد فعل الجمهور متحفزاً ومنتشياً، الكل مارس حقه الإنساني في الخوض في الفضيحتين عبر "تويتر والفيس بوك".

هناك رغبة في جلد المشاهير تستطيع أن تستنشقها في هواء الخليج، حتى لحوم علماء الدين لم تعد مسمومة بالدرجة التي تمنع الجيل الشاب من نقدهم إذا أخطؤوا، وتوقع الأفضل منهم.

مازلت أتذكر استماعي قبل سنوات طويلة، لمحاضرة دينية شهيرة بعنوان "العفن الفني" للداعية الكويتي أحمد القطان، وهو يعدد فيها مساوئ و"معاصي" الفنانات والفنانين، ويستخدم شهادات من العاملين بالفن للتدليل على بؤس وفساد الوسط الفني، وقبل شهر قرأت مقالة للإعلامية السعودية نادين البدير بعنوان "العفن الليبرالي"، تقوم فيه "بتقطيع" (كما نقول باللهجة الإماراتية) مثقفي التيار الليبرالي السعودي. ليس "العفن" هو المشترك الوحيد بين القطان والبدير، بل هو سلوكنا نحن أهل الخليج وربما العرب ككل، نحو إشعال خلافاتنا بما نعتقد أنه فضائحي ومثير للعيب والعار.

كان من الممكن أن يعتذر الدكتور عائض القرني للمسكينة سلوى العضيدان، فكلمة آسف تنهي الخلاف وترفع من قدر الشيخ عند الجميع، وإذا فرضنا أن القرني قد استوحى من كتابات العضيدان بقصد التعلم، فلا عيب في ذلك، يقول مولانا جلال الدين الرومي "الشخصية في الأسلوب، لا بد من أن تبدأ الكتابة بتقليد كتابات الآخرين. هذه حال طبيعية. ألا يبدأ الأطفال الكلام بتقليد الآخرين؟". لكن هل أخذت الشيخ العزة بالإثم فترفع عن الاعتذار؟

وكان من الممكن أن يوضح الصحفي صالح الشيحي ما الذي عناه بـ"الخزي" و"العار"، أو أن يقوم من البداية بالمناصحة سراً لمن أخطأ، ولكنه أصر على الضجة والفضيحة!

حسناً، أنا أعرف أن حياتنا العربية والشرقية لها طعم خاص، وأن جزءا من هذا الطعم مستمد من مبالغات المجالس وإثارة الحديث والنميمة و"الحش"، وكشف المستور وملاحقة الممنوع، لكن ما لا أقبله هو أن نفعل ذلك طوال الوقت، ما لا أقبله هو أننا أصبحنا نسعى وراء الفضيحة في تفسير كل شيء، هل فقدنا القدرة على التفكير والتحليل المنطقي؟ أم إن استخدام ملكاتنا العقلية أصبح مرهقاً وثقيلاً بالمقارنة مع نمط حياتنا السريع؟

ما حدث يخبرني أننا بحاجة إلى أزمنة طويلة حتى نتعلم التعامل فيما بيننا بتحضر يسمو فوق حب الفضائح والتنقيب عن العورات والمساوئ، لكن ما أبهجني وجعلني أتفاءل، أن القرني والعضيدان والشيحي وكل من كان معنياً بمعاركهم، هم من "كبار السن"، عسى أن تكون الأجيال الشابة أكثر حلماً وتعقلاً!

Email