عام على الربيع العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

مضى عام كامل على بداية الربيع الديمقراطي العربي، الذي انطلق من تونس ومر بمصر ثم ليبيا، وإلى حد ما اليمن، وما زال متعثراً في سوريا ودول عربية أخرى. وهذه مناسبة لتقييم ما أنجزته الدول العربية على صعيد التغيير الذي أنشدته شعوبها وخرجت إلى الميادين مطالبة به.

فالحاصل أن شعوب دول الربيع العربي ما زالت تعتقد أن النظم السابقة لم تسقط بعد، وهذا اللبس يأتي من عدم فهم طبيعة الثورات. فالغالبية العظمى تعتقد أن الثورة لا بد أن تسير في خط مستقيم صاعد إلى الأمام، في الوقت الذي تؤكد تجارب الثورات الناجحة التي أحدثت تغييراً سياسياً واجتماعياً، أن الثورات يمكن أن تسير في خط متعرج، لأنها تواجه تحديات دائمة، وقوى مضادة تعبر عن مصالح اجتماعية وتدافع عنها. فالثورة الفرنسية التي يضرب بها المثل دائماً، ظلت نحو 100 عام تواجه ثورات مضادة، لكنها انتصرت عليها في النهاية.

ولا يقتصر الأمر على طبيعة الثورات التي تأتى غالباً متعرجة، وإنما لعدم فهم طبيعة البيئة التي يجري فيها الصراع حالياً بين الثورة والثورة المضادة، وطبيعة المجتمعات التي شهدت التغيير، وهي طبيعة معقدة بكل تأكيد. فالثورات حدثت في مجتمعات ظلت لسنوات طويلة تعاني من الاستبداد، وغياب القانون، وغياب العدالة في توزيع الدخل القومي، وتجريف المجتمع من ذوي الكفاءات لصالح ذوي الحظوة لدى القائمين على الحكم، كل ذلك أنتج خللًا بنيوياً في المجتمع، من الصعب علاجه أو القضاء عليه في وقت قصير.

كذلك فإن هناك قوى داخلية وأخرى إقليمية وثالثة دولية، تأثرت أو سوف تتأثر بالربيع العربي على أكثر من صعيد، وهذه القوى دخلت بصورة مباشرة أو عبر أطراف محلية، في الصراع الداخلي حول عملية إعادة بناء الدولة وتجديد نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما ساهم في ترسيخ الوضع الذي تشهده الثورات العربية في الوقت الراهن.

ورغم كل ذلك يمكن القول إن الربيع العربي أنجز كثيراً خلال هذا العام، ليس فقط في ما يتعلق بكسر حاجز الخوف لدى المواطن في مواجهة السلطة، أو بخصوص عودة الكرامة في تعامل الأخيرة مع المواطن، وإنما أيضاً على الصعيد المادي، من خلال المجالس النيابية التي تشكلت والتي بدأت بالفعل عملية إعادة بناء الدولة عبر صياغة دساتير جديدة وديمقراطية.

خارج دول الربيع العربي، نجد أن هناك إصلاحات أجريت لامتصاص مطالب الجماهير بالتغيير الشامل، وهو ما يعني أنها تبنت برامج إصلاحية تدريجية، تصب في النهاية في طريق الإصلاح السياسي، وهذا الاتجاه امتد إلى دول في الخليج العربي، بدأت رحلة التحول الديمقراطي التمثيلي لصالح شعوبها.

والثورات أو التغييرات الجذرية لا يمكن أن تتم خلال عام واحد، وإذا كانت ثورة المعلومات والتطورات التكنولوجية ساهمت في تقليل المسافات وتقصير الوقت اللازم لإنجاز تحول جذري على النحو الذي تريده الجماهير العربية، فإن ذلك لا يمكن أن يتم في عام واحد. ولكن يمكن القول إن قاعدة هذا التغيير الجذري قد وضعت في تونس، بينما يتعثر مسارها في مصر بسبب تعقيد المشهد المصري والارتباك الذي حدث في إدارة المرحلة الانتقالية.

إن أكبر إنجاز حققه الربيع العربي، هو أنه أسقط القواعد التي يقوم عليها الحكم الاستبدادي، لكنه حتى الآن لم يبنِ قواعد النظام الديمقراطي، لكن من المؤكد أنه أرسى قواعد التعددية والتنافس السياسي، وعدم تهميش قوى سياسية أو استبعادها. وهناك عناصر متعددة تلعب دوراً في عملية البناء هذه، منها ما يتعلق بالثقافة السياسية، ومنها ما يتعلق بالقيم المجتمعية، وهو ما يعني أن عملية البناء نفسها يمكن أن تستغرق وقتاً أكثر، بعد وضع الأسس والقواعد اللازمة لهذا البناء.

إن عجلة التغيير قد دارت ولن يوقفها أحد، وهي لم تدر فقط في دول الربيع العربي، وإنما في كل الدول العربية، وإن كانت سرعتها تختلف من دولة لأخرى. والمشكلة أن سرعة عجلة التغيير هذه أبطأ مما تريده الجماهير، التي كانت محرومة من الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. ولكن سقوط الأنظمة التي جثمت على أنفاس وصدور الشعوب لفترات طويلة، أمر ليس سهلاً من جهة، فضلاً عن أنه كان مستبعداً.

بسبب القواعد التي بنيت عليها تلك الأنظمة، والتوازنات التي اعتمدت عليها لتأمين أسس بقائها. ولذلك فإن ما تم إنجازه خلال العام الفائت، ليس هيناً بالنظر إلى تشابك وتعقيدات الوضع الذي كان قائماً. وأكبر انجازات العام أنه تم فعلياً القضاء وفك معظم تلك التعقيدات والتشابكات، الأمر الذي يساعد على بناء نظام حكم جيد ومستقر.

 

Email