لو كنت إمرأة!

ت + ت - الحجم الطبيعي

"ولدتك رجلاً وليس امرأة، هذه نعمة كبيرة أحمد الله عليها" قالتها أمي في لحظة غضب شديدة، رداً على تفوهي بنكتة نتداولها نحن الرجال عن النساء. لم تلبث غضبة أمي طويلاً، لكن الكلمة ظلت ترن في أذني، لماذا قالت أمي ما قالته، وهي السيدة التي تفتح وعيها على الدنيا على صيحات تحرير المرأة وتعليمها وخروجها لأماكن العمل ومعترك الحياة؟

وهي السيدة اللطيفة الرقيقة التي عودتنا على احترام الثقافة والفنون، وقبل هذا كله؛ البشر؟ لم تغادرني التساؤلات بعد: أين كان مخزون الاستهانة ببنات جنسها مدفوناً داخلها؟ لماذا خرج فجأة وبإلحاح شديد؟ ندمت وعرفت أني حركت في داخلها إحساسها العميق بمظلومية جنسها، قررت أن أكفر عن خطئي وأن أقر أنا الجاهل بما لا أعرفه وبعض ما أعرفه عن آلام المرأة وعالمها الحزين، فكتبت لأمي بضع قصاصات أرسلتها- طبعاً- على هاتفي المتحرك:

بين كرم الإسلام وبخل الخطاب الديني المعاصر: أتى الإسلام إلى مجتمع ذكوري كان يضع المرأة في خانة "نصف إنسان"، وكان الرجل فيه هو مركز الحياة والعالم بالنسبة للمرأة، أو هكذا افترض مجتمع الجزيرة العربية، وغيره أيضاً من مجتمعات تلك الأزمنة. فغالباً ما تظهر المرأة في الشعر عندما يحتاج الرجل إلى حبيبة تنتظر بفارغ الصبر انتهاءه من بطولاته، وهي تلعب دور الأم الملائكية الحانية عندما يحتاج الرجل لمن يخفف عنه وقع إخفاقاته وهزائمه (وهي كثيرة عند عباد الله العرب).

جميعنا نردد أن الإسلام ساوى بين المرأة والرجل، لكن يبدو لي أن الخطاب الديني المعاصر قد شهد بمجمله "ردة" معاصرة عن تلك المساواة، فهو يختزل المرأة في "الأنثى". فقد نظر في الفروق الجسدية والنفسية بين الجنسين، فقرر أن المرأة بنعومتها كائن ضعيف، مكانه الأنسب البيت، حيث تؤدي وظيفة الحمل والولادة وتربية الأطفال وتهيئة عش الزوجية للرجل. هكذا تتراجع مكانة المرأة من كونها كائناً مساوياً للرجل وشريكاً له في تعمير الأرض، كي تكون في خدمته، وتعود للدوران حوله.

2- السؤال الشهير: عندما كنا نتحدث مع أصدقائنا عن حقوق المرأة وكونها مخلوقاً مساوياً للرجل ...الخ، كانوا يسألوننا: وهل ترضاها على أمك وأختك؟ سؤالي للقراء الكرام: ألا يزال هذا السؤال يطرح؟

3- في الإمارات: أراقب باهتمام العلاقات بين الرجل والمرأة في الإمارات منذ بضع سنوات، وقد خرجت بعدة استنتاجات سلبية وإيجابية، من دون أن أعمم: أ- المرأة هنا لا تفصح بسهولة عن مشاعرها، ربما نتيجة الخوف من سوء الفهم أو الخوف من كلام الناس أو الخوف من الرجل. ب- عندما يقف الرجل أمام امرأة فإنه يجد صعوبة كبيرة في التخلص من كل العبارات والأمثال والنكات والنصائح حول كيفية التعامل مع المرأة، والتي سمعها منذ صغره في مجلس الأصدقاء أو المدرسة أو جلسة في البر أو الكافيتيريا،.

وغيرها من الأماكن التي يحتلها الرجال غالباً ولا تظهر فيها المرأة إلا أثناء حديث عابر. ج- نسبة الطلاق العالية بين المتزوجين حديثاً لها أسباب كثيرة طبعاً، ربما كان من بينها أننا معشر الرجال لم نتعود على فهم المرأة إلا باعتبارها "حاجة" أو "أداة" تستعمل لفترة من الزمن ثم تهجر بسرعة. د- حتى نوازن الأمور، لا بد من ذكر حسنات الرجل في بلدنا بعد أن جلدناه بشدة. هـ - الرجل الإماراتي هو الأكثر مرحاً في الخليج عندما يختلط مع المرأة، نحن قادرون على رسم الابتسامة على شفتيها، بل وجعلها تضحك من أعماق قلبها الجميل، في كل الظروف والأوقات.

و- للتأكد من النقطة (هـ) يرجى مراجعة الكاتبة السعودية بدرية البشر. ز- تقبل رجل هذه البلاد خروج المرأة للعمل من دون كثير عناد أو حساسية، فلم ينتفض ولم يطلب التريث في الموضوع أو مراعاة حساسيات المجتمع، أو بمعنى أصح؛ مراعاة حساسياته هو.

هذا بعض ما لاحظته في الإمارات، فكيف هو الحال في بلدان الخليج والعرب؟

4- الولاعة: "شرف البنت مثل عود الكبريت، وشرف الرجل مثل ولاعة الرونسون" عبارة كنا نسمعها في المدارس من زملائنا العرب، وقد رسخت في أذهاننا زمناً طويلاً وحكمت الكثير من تصرفاتنا إلى أن هدانا الله. أما الجيل الجديد ـ مواليد بداية التسعينات ـ فقد دله حظه العاثر إلى الاستماع لأحد المشايخ وهو يطلق تحذيره: لا تجلس البنت مع أبيها إلا بوجود أمها، ويكمل قائلاً: ربما يؤزه الشيطان لبعض الأمور!

5- بعد أن قمت بكافة حساباتي، أقول: لو كنت امرأة لتمنيت أن لا أكون امرأة، فالعالم قاس جداً على معشر النساء.

 

 

Email