الجزائر على خطى المغرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصدر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، خمسة قوانين أساسية تتناول نظام الانتخابات وتوسيع فرص تمثيل المرأة في المجالس المنتخبة والإعلام والأحزاب السياسية والجمعيات، ما يسمح لوزارة الداخلية بالبدء في الترخيص لعقد مؤتمرات تأسيسية لأكثر من عشرة أحزاب جديدة، تتوقع أن تحصل على اعتماد بالنشاط قبل نهاية شهر يناير الجاري.

وقالت الرئاسة الجزائرية، إن إصدار الرئيس للقوانين يأتي بعدما تمت المصادقة عليها في البرلمان، بعد مناقشات واسعة سمحت بإثراء نصوص القوانين وتعديل بعض الأحكام. ويُعد القانون المتعلق بنظام الانتخابات أول قانون تمت المصادقة عليه، وهو يتضمن 238 مادة.

ومن بين أحكام القانون الجديد مراقبة العملية الانتخابية من قبل قضاة، واستخدام صناديق اقتراع شفافة، وتسليم محاضر فرز أوراق الانتخاب لممثلي المرشحين المنتمين للأحزاب أوالمستقلين.

ويخص القانون الثاني حالات الجمع بين العضوية في البرلمان ومنصب انتخابي آخر، أو بينها وبين المهام أو الوظائف أو الأنشطة المحددة فيه. وعن القانون العضوي المحدد لكيفية توسيع تمثيل المرأة على مستوى المجالس المنتخبة، وضع مسار تدرجي في نسب الترشح النسائي في المجالس المنتخبة، لتتراوح بين 20 و50%.

ويعيد القانون الخاص بالأحزاب السياسية، المتضمن 87 مادة، تنظيم العلاقة بين الإدارة والأحزاب، وينص على «احترام النظام الدستوري وعدم المساس بالطابع الجمهوري للدولة، وقيم السيادة والاستقلال الوطني، والحفاظ على وحدة وسلامة التراب الوطني والدفاع عن الوطن».

و«التزام عدم تأسيس أي حزب سياسي أو ممارسة أي نشاطات مخالفة لقيم ثورة أول نوفمبر 1954 والإسلام والهوية الوطنية، أو على أسس دينية أو لغوية أو عرقية أو ممارسة طائفية أو تمييزية».

ونص قانون الإعلام على إنشاء هيئتين للضبط؛ الأولى تختص بالصحافة المكتوبة (حلت محل المجلس الأعلى للإعلام)، والثانية بضبط الحقل الإعلامي السمعي البصري، وهو القطاع المدعو للانفتاح. أما القانون الخامس والأخير فيتعلق بالجمعيات، وجاء متشدداً مع الأموال التي تتلقاها تنظيمات جزائرية من الخارج.

وهذه القوانين يتعامل معها النظام الجزائري باعتبارها خطوة على طريق إصلاحى شامل، وأنها تأتي استجابة للمطالب الشعبية التي تكثفت في أجواء الربيع العربي الذي طاول كلا من تونس ومصر، وإحداهما من دول الجوار الجغرافي القريب للجزائر.

وهذا المنهج الجزائري في التعامل مع المطالبة الشعبية بالتغيير والإصلاح، يشبه تماما المنهج الذي اتبعته المغرب، وهي دولة أخرى من دول الجوار الجغرافي للجزائر، حيث قام العاهل المغربي محمد السادس بتشكيل لجنة لتعديل الدستور ثم أجرى استفتاء عليه، وقلص بالتالي من سلطات القصر الملكي، ووسع من سلطات البرلمان الذي أصبح من سلطته اختيار الحكومة عبر الحزب الذي يحصل على أكبر عدد من المقاعد. وهذا المنهج حاز على موافقة ودعم قطاعات شعبية واسعة، وإن كانت لم تلب كل رغبات المطالبين بالإصلاح السياسي الشامل.

وقد أسفرت الانتخابات التي أجريت في المغرب بموجب الدستور المغربي المعدل، عن تغيير كبير في الخريطة السياسية بصورة لم تشهدها المغرب منذ استقلالها. وبالتالي فإن نجاح الإصلاحات في الجزائر التي سارت على نهج الإصلاح "بيدي لا بيد عمرو"، والتي بدأها الرئيس بوتفليقة بالقوانين الأساسية الخمسة السابقة الإشارة إليها، مرتبط بما سوف تسفر عنه نتيجة الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في شهر مايو المقبل.

فلو أسفرت الانتخابات عن تغيير في الخريطة السياسية الراهنة للجزائر، يمكن القول إنها أصبحت في بداية طريق التغيير، أما لو أسفرت عن نتائج تعزز من الخريطة الراهنة التي يسيطر فيها التيار الوطني على العملية السياسية، مع وجود هامشي للتيارين الإسلامى واليساري المدني، فإن ذلك سيعنى أنه لا أمل في إصلاح النظام من الداخل، وهو ما يمكن أن يعطي شرعية مستقبلية لحركات المطالبة بالتغيير الجذري.

والسؤال الذي يطرح بخصوص الحالتين المغربية والجزائرية، هو؛ لماذا نجحت حركات المطالبة بالتغيير في كل من مصر وتونس، ولم تجد نفس الصدى الواسع في كل من المغرب والجزائر؟ وهذا الأمر هو الذي دفع الدولتين لتبني منهج الإصلاح الجزئي من قبل النظام الحاكم، كوسيلة لامتصاص المطالبة بالتغيير الشامل.

والإجابة تتعلق بأن الدولتين بدأتا تجربة التعددية الحزبية مبكرا، وهو ما ساهم في التنفيس عن المطالب السياسية والاجتماعية، ومنع أن يكون الاحتقان فيهما بنفس الدرجة التي كان عليها في كل من مصر وتونس. ولكن بالطبع هناك اختلافات في التجربتين المغربية والجزائرية، فالمغرب بدأت التجربة الحزبية منذ الستينات، وكان أول دستور مغربي يمنع التحول من نظام التعددية الحزبية إلى الأحادية الحزبية، وهذا أسهم في تكون تقاليد ديمقراطية، وأصبحت الأحزاب مؤسسات وسيطة بين الدولة والجمهور، على الرغم من سيطرة المخزن، أي المؤسسة الملكية، على العملية السياسية.

أما الجزائر فهناك سببان مختلفان؛ الأول أن النظام على الرغم من توفر هيكل الاستبداد، إلا أنه نجح في تحقيق قدر من العدالة الاجتماعية، فضلا عن أن النظام يمارس سياسة شعبوية ترضي قطاعات من الجماهير. أما السبب الثاني فهو أن ما شهدته الجزائر من اضطراب خلال الفترة من 1991 وحتى 2006، جعل الشعب الجزائري متحفظا إزاء إيه عمليات قيصرية للنظام السياسي، يمكن أن تعيد الجزائر إلى المربع رقم واحد مرة أخرى، وبالتالي فضلت الغالبية أن يتم الإصلاح عبر التدرج ،وليس بأسلوب الصدمة. ولكن الاستمرار على هذا النهج في الجزائر متوقف على نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة.

Email