إنقاذ ما يمكن إنقاذه من فلسطين

ت + ت - الحجم الطبيعي

في عام 1948 أُعلن عن تكوين دولة إسرائيل فوق حوالي 80% من أرض فلسطين التاريخية. اضطر ما يقارب المليون فلسطيني للنزوح واللجوء القسري إلى مختلف بقاع الأرض، في الغالب الدول العربية المجاورة. بعد حوالي العقدين من الزمن وقعت حرب يونيو/ حزيران 1967 المثيرة للجدل؛ مثيرة للجدل بسبب طريقة بدئها وقصر المدة ما بين وقوعها وانتهائها، إضافةً إلى هول نتائجها. احتلت إسرائيل ما تبقّى من فلسطين العربية، أي الضفة الغربية وقطاع غزة. مؤامرة بشعة اشترك في تنفيذها وإنجاحها المحلي والإقليمي والدولي، وبأقل التكاليف الممكنة!

بُعيد احتلالها لما تبقّى من فلسطين، قامت إسرائيل بعملية سياسية ديمغرافية ممنهجة، لجعل الضفة الغربية وقطاع غزة جزءاً لا يتجزأ من إسرائيل. رسمياً ضمت إليها مدينة القدس المحتلة، بما للمدينة من قيمة تاريخية وأثرية ودينية هائلة لدى العرب والمسلمين. انتهجت سياسة استيطانيةً واسعةً، زرعت عدداً متزايداً من المستوطنات بناء على خطط جيو-استراتيجية؛ دفاعية هجومية توسعية. عشية مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، باتت لدى إسرائيل عشرات، بل مئات المستوطنات، من مختلف الأحجام، تضم أعداداً متفاوتةً من المستوطنين المستعمِرين.

الآن يشكل الاستيطان الاستعماري اليهودي في الدولة الفلسطينية المأمولة، عقبةً كأداء في وجه أية خطة أو تحرك حقيقي في اتجاه السلام. المستعمرون اليهود يشكلون رأس حربة إسرائيل والجيش الإسرائيلي في الدفاع والهجوم، والتشبث بالمواقع الجديدة. يشكلون قوة دفاعيةً هجوميةً ديمغرافيةً، تستمد بقية ما يلزمها من قوة من إسرائيل وحلفائها.

الاستيطان والمستوطنون "المدنيون"، حجة إسرائيل الديمغرافية الدعائية والإعلامية أمام الأمم والشعوب الأخرى، لكي تحتفظ بمواقع الاحتلال لها في المنطقة.

منذ دخول الفلسطينيين وبقية العرب إلى منزلق العملية السياسية "السلمية"، حرصت إسرائيل على تجريدهم من عناصر قوتهم الأساسية. هذه تتمثل بتسريح القوة الضاربة للجيوش، وتقليص الأسلحة، وتقليل التدريب والتخطيط والتعبئة والتنفيذ.

تحوّل العرب إلى مجموعات متفرقة من الباحثين عن مساعدات، تتركز بشكل رئيسي حول الغذاء والدواء ووسائل الترويح والترفيه. في الوقت ذاته واصلت إسرائيل تضخيم قوتها التقليدية وغير التقليدية.

 لم يوضع شرط واحد في اتجاه تحديد قوة إسرائيل أو لجمها، أو الحد من تصرفاتها الاستفزازية. تستخدم إسرائيل عدة مبررات لمواصلة التسلح الكمي والنوعي وشن الهجمات الاستباقية، مثل مقاومة الإرهاب، والوقوف في وجه القوى المناهضة للسلام وحلفائها في المنطقة.

لم يبق لدى الطرف العربي، وبالذات الفلسطيني، سوى طريق واحد لنيل الحقوق؛ الطريق السلمي الذي عملياً يعتمد على "استجداء" إسرائيل والرأي العام العالمي. تميل إسرائيل إلى الاستخفاف بالضغوط المرتبطة بالتحركات السلمية. تستخف بقوانين الشرعية الدولية، مثل القرارات الخاصة بحقوق اللاجئين وإعادة الأراضي التي تحتلها بين حرب وأخرى.

لم تصل الضغوط الدولية بعد، إلى مستوى يُلزم إسرائيل بالرضوخ للإرادة الدولية بشأن إقامة سلام عادل مشرِّف. تواصل إسرائيل اجتثاث الشعب الفلسطيني من أرضه، بشكل لا تقبله عدالة أو قانون أو منطق أو مبرر.

الشعوب والأوطان العربية تمثل العمق الاستراتيجي الحقيقي للقضية الفلسطينية. هذه الشعوب منشغلة الآن بثورات "مجهِدة لها"، في اتجاه التغيير والإصلاح والتطوير. الشعب الفلسطيني نفسه منشغل الآن بالحصول على قوت يومه، بسبب تشديد الحصار عليه في الداخل والخارج.

في المقابل، تحظى إسرائيل بدعم خارجي وافر، يمكّنها من تجاوز آثار الأزمات الاقتصادية المحلية والدولية. بالذات تتمكن من مواصلة سياسة الاستيطان وتدعيمها، بحيث تقف سدّاً منيعاً في وجه ولادة ونشوء كيان سياسي فلسطيني مستقل، لا بل حتى قابل للعيش.

آن الأوان للضمير العالمي، وخاصةً الغربي الفاعل، لكي يصحو ويتقدم بخطوات واقعية تجاه مساعدة الشعب الفلسطيني، لاسترجاع حقوقه الوطنية والتاريخية والثقافية والإنسانية. لقد كُشف زيف المبرر الإسرائيلي في التعنت، والتبجح بادعاء نية العرب والفلسطينيين القضاء على اليهود! يدرك العالم الآن أن العكس هو الصحيح، إذ تواصل إسرائيل منهجية تدمير الحقوق الفلسطينية حتى النهاية. الشعب الفلسطيني، مثله مثل بقية الشعوب المسالمة والمحبة للحرية، بحاجة إلى مد يد العون له، والابتعاد عن سياسة التحيز التقليدي مع فئة ضد أخرى.

Email