أوباما والتصريحات الرنانة

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال الرئيس الأميركي باراك أوباما، في تصريحات لبرنامج «60 دقيقة»، أخيراً: «ماذا حدث للصفقة الأميركية التي تقول، كما تعلمون، إننا منشغلون ببناء طبقة متوسطة قوية؟ هذا ليس موقف اليمين أو اليسار. بل هو الموقف الأميركي».

إنني لا يمكن أن أوافق أكثر من ذلك على هذا الطرح. لا ينبغي أن ينظر إلى المخاوف المتعلقة بالطبقة المتوسطة والتفاوت الاقتصادي والترقي والتعاطف والهدف المشترك باعتبارها امتيازات لليسار، وتأطيرها على هذا النحو يعد في كثير من الأحيان وسيلة لتهميشها. لذا فمن الرائع أن نرى الرئيس أوباما يحاول تغيير نغمة النقاش برفضه لرؤية تلك القيم باعتبارها منتمية إما لليسار أو اليمين.

ولكن ماذا، في حال فوز الرئيس أوباما بفترة رئاسة ثانية، يخطط للقيام به حيال ذلك؟ إن ميزة كون القائم بالتحدي هو أن أميركا تمنحك فائدة الشك بينما يتضمن خطاب شاغل المنصب نتائج يتم تقييمه في إطارها.

وبحسب القول السائد، فقد كان أسبوعاً جيداً بالنسبة إلى أوباما، والذي كان محوره خطاباً اقتصادياً رئيسياً ألقي في مدينة أوساواتومي بولاية كانساس، أخيراً،. وفي تلك المدينة، قبل 101 سنة، ألقى الرئيس الأميركي الأسبق «ثيودور روزفلت» خطاباً بليغاً اتسم بالجدية، طارحاً رؤية جريئة لأميركا. وانتهى به المطاف إلى خسارة الانتخابات، لكن جانباً كبيراً من رؤيته التي تضمنت التأمين ضد البطالة والنظام الضريبي التصاعدي وقوانين عمالة الأطفال وتحديد ساعات العمل بثماني ساعات يومياً، والحد الأدنى للأجور للمرأة، يعد من الأمور المسلّم بها اليوم.

وفي ذلك الخطاب، دعا «روزفلت» إلى «القومية الجديدة»، وهي المبدأ التوجيهي الذي سيصبح «الاتفاق العادل». وفيما يلي وصفة لهذا المبدأ: «عندما أقول إنني أتفق مع الاتفاق العادل، فإنني أقصد ليس مجرد تأييد الممارسة النظيفة في ظل القواعد الحالية للألعاب، ولكن أؤيد تغيير تلك القواعد بحيث يمكن العمل من أجل المساواة في الفرص والمكافأة للحصول على خدمة جيدة على حد سواء».

ردّد أوباما أصداء كلمات «روزفلت»، قائلًا: «الصفقة الأساسية التي جعلت هذا البلد عظيماً قد تآكلت. إنها ليست مجرد نقاش سياسي آخر، لكنها المسألة الحاسمة في عصرنا»

وهذا ما يعود بنا إلى الفارق بين الخطب الرنانة والعمل. الرئيس على حق، هي القضية الحاسمة في عصرنا. لكنها لم تصبح قضية حاسمة عندما بدأ موسم الانتخابات. وكانت قضية حاسمة في عصرنا حتى عندما قضى أوباما معظم العام الماضي أو نحو ذلك في الحديث عن العجز وخفض الميزانية، كونه يؤمن بالحكمة التقليدية في واشنطن.

في ولاية كانساس، ركّز أوباما أيضا على آثار مسألة عدم المساواة في المشاركة في العملية السياسية، حيث قال:

« إن عدم المساواة من شأنه أيضاً أن يشوّه ديمقراطيتنا. ذلك أنها تعطي صوتاً مفرطاً للقلة الذين يمكنهم تحمل الإنفاق على جماعات الضغط المكلفة للغاية وعلى حملة التبرعات غير المحدودة، وتنطوي على خطر بيع ديمقراطيتنا لمن يدفع أعلى سعر.

لا يحتاج المرء للعودة بالزمن عاماً للوراء للعثور على شيء يبدو مخالفاً لهذا النوع من الخطاب. ولنلق مجرد نظرة على ما قامت به الإدارة الأميركية مع الكليات الجامعية الهادفة للربح، التي تستغل الأطباء البيطريين والأقليات والفقراء من الأميركيين، وتستغل الاندفاع لتحسين الذات الراسخ في صميم الحلم الأميركي.

ولهذا السبب، أعلنت الإدارة الأميركية مجموعة صارمة ومبررة تماماً من اللوائح الجديدة. فماذا حدث؟ أنفقت هذه الكليات 16 مليون دولار من الأرباح لتمارس ضغوطاً على الإدارة. ولم تؤجر جماعات الضغط العادية، وقاموا باستئجار المطلعين الديمقراطيين، مثل أنيتا دان المديرة السابقة للاتصالات في البيت الأبيض، و«ديك غيبهارت» زعيم الأغلبية السابق في مجلس النواب الأميركي.

وما النتيجة؟ قواعد مخففة وثغرات واسعة... وأنشطة أعمال كما هو معتاد.

مرة أخرى، من الواضح أنه حتى مع وجود رئيس يدعي أنه يريد تغيير نظام مشوّه، فإن كل ما تحتاج إليه في واشنطن للحفاظ على الوضع الراهن هو «ديك جيفارت» وعدد قليل من مروجي حملة أوباما للطلب السريع.

وكما تظهر القواعد الخاصة بالكليات الهادفة للربحية التي تم إحباطها، لا يزال أوباما يخسر الفرص. وعلى الرغم من أن خطاب كانساس حدد خطوط الصدع في المشهد الاقتصادي الحالي في أميركا بشكل فعال تماماً، كان يفتقر إلى مقترحات جريئة من شأنها أن تقلل من خطر تلك الانقسامات الآخذة في الاتساع.

وهذا هو خطر الخطابة الرنانة بالنسبة إلى صاحب المنصب، ونحن نعرف ما قمت به. أو لم تقم به.

في هذه المقابلة ببرنامج «60 دقيقة»، رداً على سؤال حول ما اذا كان قد أفرط في الوعد خلال الحملة الانتخابية، أجاب الرئيس أوباما: «أنا لم أفرط في الوعد. ولم أقلل من شأن مدى صعوبة ما سيكون عليه هذا الأمر. كنت دائماً أعتقد بأن هذا مشروع طويل الأجل.. وهذا يعكس ثقافة في واشنطن، هيمنت عليها مصالح خاصة... وكانت سوف تستغرق أكثر من عام. وكانت ستأخذ أكثر من عامين. وكانت ستأخذ أكثر من فترة رئاسية. وربما ستقتضي أكثر من رئيس واحد».

أكثر من رئيس واحد؟ خلال الحملة، كان أوباما مولعاً باقتباس كلمات من «مارتن لوثر كينغ» يقول فيها: «الإلحاح والتعجل للوقت الراهن». ولكننا الآن من المفترض علينا أن ننتظر للإلحاح الشرس لاثنين أو ثلاثة رؤساء آخرين؟

السؤال هو: هل يمكنك أن تكون قائداً كبيراً دون الشعور بالإلحاح والتعجل؟ لقد تأخر الوقت قليلاً، لكن الرئيس ركّز في النهاية على القضية الحاسمة في عصرنا. وهو محقّ في أنها ليست قضية يمين/ يسار، ولكنها قضية ذات قيمة تتقاسمها الغالبية العظمى من الأميركيين. ولكن الوصول إلى هذا التوافق من أجل دفع السياسة العامة يعد مهمة مختلفة تماماً. وسوف تتطلب أكثر بكثير من مجرد الخطب الرنانة.

Email