غينغريتش.. الاستقطاب عبر الافتراء

ت + ت - الحجم الطبيعي

يحاول المرشح الجمهوري الأبرز نيوت غينغريتش، استقطاب الأميركيين العاملين من خلال الافتراء على الفقراء، إذ ندد مؤخراً بقوانين عمل الأطفال ووصفها بأنها «غبية بحق»، ملمحا إلى أنه يتعين على المدارس أن تفصل بوابيها وتوظف طلاباً تحت سن 16 سنة لتنظيف مرافقها!

وعندما قال منتقدون إنه سيعود بأميركا إلى الحقبة التي صورها الروائي البريطاني تشارلز ديكنز، دافع عن نفسه من خلال الاستمرار في الافتراء على الفقراء، حيث قال: «إن الأطفال الفقراء للغاية، في الأحياء الفقيرة للغاية، غير معتادين على العمل، وليس هناك من يعمل ممن حولهم. لذا فهم غير معتادين حرفيا على الذهاب إلى العمل مع بداية الأسبوع، كما أنهم غير معتادين على البقاء طوال اليوم. وهم غير معتادين عبارة (أنا أقوم بذلك العمل وأنت تدفع لي المال)، ما لم يكن العمل غير قانوني».

هذه عبارات قبيحة وغبية، في الواقع، إذ إن معظم الفقراء يعملون متى سنحت لهم الفرصة. ويعيش 83% من هؤلاء الأطفال في أميركا، في كنف أسر يعمل أحد أفرادها البالغين على الأقل. وغالبا ما يعمل آباؤهم في وظيفتين أو ثلاث وظائف، في سبيل إعالة أسرهم. ويشتغل العاملون الفقراء لساعات أطول في المتوسط، مقارنة بنظرائهم الأكثر ثراء، وذلك وفقا لمعهد السياسة الاقتصادية الأميركي.

حين تقوم بزيارة مطعم للوجبات السريعة، فإن الأشخاص الذين يقدمون الطعام للزبائن هم فقراء في مقتبل العمر بلا مزايا صحية. ومعظم الباعة الذين يتجولون بين جماهير مباريات كرة القدم، فقراء وبلا مزايا. وعندما يلعب فريق جامعة لويزيانا ضد فريق ألاباما، سنكون أمام لاعبين من خلفيات فقيرة بشكل أساسي، «يعملون ـ يلعبون» بلا أجور، من أجل حاملي التذاكر الجالسين على المدرجات، ويدرون الملايين على جامعاتهم. ويتألف الجيش الأميركي أساسا من شباب متطوعين من خلفيات فقيرة، مثل شوشانا جونسون وجيسيكا لينش.

إن نيوت غينغريتش مخطئ تماماً، فالآباء ذوو الدخل المنخفض يتشاركون القيم ذاتها مع نظرائهم من ذوي الدخل المرتفع، فيما يخص تعليم أبنائهم. وهم أقل ترجيحاً لحضور النشاطات المدرسية، ليس لأنهم لا يهتمون بها، ولكن لأنهم أقل قدرة على الوصول إليها. فهم يعملون ليلاً أو في عدة وظائف أو في وظائف بلا إجازة، أو في وظائف لا تتيح لهم التحكم في ساعات عملهم، وهم غالباً ما يفتقرون إلى رعاية الأطفال ووسائل النقل.

والافتراض غير المخفي تماماً وراء افتراء غينغريتش، هو أنه يتحدث عن الفقر في المناطق الحضرية، وعن الأطفال السود واللاتينيين. وفي حقيقة الأمر، يعد الفقر في المناطق الريفية أسوأ منه في المدن أو الضواحي، فهو أسوأ في جبال أبالاشيا منه في شيكاغو. ويفوق عدد الأطفال الفقراء البيض، عدد نظرائهم من السود. ومعظم الفقراء هم من الشباب، ومن البيض، ومن غير المتزوجين، ومن الإناث، وغير عاطلين عن العمل. في الواقع، أظهرت دراسات حديثة أن أميركياً واحداً من بين كل أميركيين اثنين، سيعاني من الفقر في مرحلة ما من حياته. وحتى فيما يقوم غينغريتش بالافتراء على الفقراء، فإنه يتجاهل الواقع الذي يواجهه الشباب، إذ يعاني الشباب الأميركيون الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و19 عاماً، من معدلات بطالة تضاهي في سوئها تلك التي عانى منها المصريون قبل ميدان التحرير. وللمرة الأولى منذ 50 عاما، فإن معظم الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاماً، عاطلون عن العمل. وليس هذا ناجماً عن قوانين عمل الأطفال، وإنما بسبب عدم وجود فرص عمل.

هذه كارثة وطنية، فالوظائف توفر الثقة والانضباط والاكتفاء الذاتي. ويتراجع الشباب العاطلون تراجعاً قد لا يتمكنون من تعويضه أبداً، والأسوأ من ذلك أن أحلامهم تتبدد وآمالهم تتحطم، وهذا يؤدي إلى اليأس والغضب والاكتئاب.

وبدلا من إلغاء قوانين عمل الأطفال وتشغيل الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 16 عاماً، ألن يكون إيجاد فرص عمل لأولئك الذين أكملوا السن القانونية أكثر منطقية؟ وقد قدم مؤتمر الكونغرس التقدمي تشريع «الحلم الأميركي»، الذي صممه بهدف المساعدة على الوفاء بالتعهد بجعل الحكومة جهة توظيف الملاذ الأخير، بالنسبة للأميركيين من الشباب وقدامى المحاربين. ويدعو التشريع إلى التوظيف المباشر في القطاع الحكومي، 2.2 مليون وظيفة للبدء، في السلك الوظيفي والسلك الحضري والسلك الأخضر، تحفيزاً للمنظمات غير الربحية والشركات الصغيرة، على توظيف الشباب وقدامى المحاربين. وهو يوفر تكاليف هذه البرامج من خلال مجموعة من إصلاحات الضرائب والإنفاق، إذ يرفع الضرائب المفروضة على الأثرياء، ويفرض الضرائب على المضاربات الجامحة في «وول ستريت»، ويخفض المعونات المقدمة لشركات النفط الكبرى، مساهماً في الحد من الهدر في الإنفاق على الحروب في الخارج وأسلحة الحرب الباردة في الداخل. وذكر نيوت أنه سيطرح «مقترحات جذرية بشكل استثنائي، لإحداث تغيير جذري في ثقافة الفقر في أميركا». غير أن تشغيل الأطفال الصغار يعود إلى المصانع الشيطانية، التي انتشرت في العصر الفيكتوري. ويعد الافتراء على الفقراء حيلة قديمة يلجأ إليها السياسيون المستأجرون، وهو الوصف الذي أطلقه جورج ويل على غينغريتش.

ما يحتاجه الشباب الأميركيون هو فرص عمل، وما تحتاجه أميركا هو شخص يتحدى المصالح الراسخة والمبالغ الطائلة التي باتت تشوه السياسة الأميركية إلى حد كبير. أما غينغريتش فيمثل رجلاً يجني الأرباح من وراء تلك المصالح، في الوقت الذي يفترس الضعفاء، بدلاً من أن يدعو لهم.

 

مرشح سابق للرئاسة الأميركية

Email