أميركا ونظام الرعاية الصحية المختل

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعاني حالة شديدة من مرض النقرس تتطلب علاجاً مستمراً، وفجأة خلال العام الجاري، اكتشفت أنه قد تم حظر العقار غير المصون بحقوق العلامة التجارية، الذي كنت أستخدمه بتكلفة تقرب من 3 سنتات للقرص الواحد، والاستعاضة عنه بعقار ممتلك، أي يحمل علامة تجارية، يكلف 5 دولارات للقرص. مرحبا بكم في نظام الرعاية الصحية الأميركي المختل.

وتضاهي المبالغ التي تنفقها الولايات المتحدة على الرعاية الصحية للشخص الواحد، نحو ضعف ما تنفقه الدول الصناعية الأخرى، التي توفر لمواطنيها تغطية أكثر شمولاً وتحقق نتائج أفضل. هذه هي نتيجة نظامنا الذي يهدر مئات المليارات من الدولارات على التكاليف الإدارية والعلاجات غير الضرورية، ونظم التسعير الباهظة. وتشكل أدوية الوصفة الطبية مثالاً كلاسيكياً على ذلك، إذ يقدم دافعو الضرائب الأميركيون 25 مليار دولار سنويا، لعمليات البحث والتطوير في مجال الصحة، التي يتعلق شق كبير منها بعقاقير جديدة.

وتعمد شركات أدوية الوصفات الطبية، في كثير من الأحيان، إلى الاستيلاء على الاختراعات التي يتم تطويرها على حساب دافعي الضرائب، وإضافة القليل من تصميمها الخاص، ومن ثم الحصول على براءة اختراع للعقار. وهذا يتيح لها تحصيل مبالغ باهظة، لقاء أقراص لا يكلف تصنيعها الكثير. وتأتي أكبر النفقات التي تتكبدها تلك الشركات من التسويق، والإعلانات التي تملأ شاشات التلفاز في منازلنا، فهي التعبير المرئي. وهي تنفق أيضاً مليارات الدولارات سنوياً من أجل إغراء الأطباء والمستشفيات، باعتماد علاماتها التجارية.

وتستهلك البرامج الصحية الحكومية، بما في ذلك "ميدي كير" و"ميديك إيد" ووزارة شؤون قدامى المحاربين والتأمين الصحي للأطفال وغيرها، ما يقرب من نصف نفقات الرعاية الصحية التي نقدمها.

وبإمكان الحكومة أن تستخدم قوتها الشرائية في التفاوض على خفض أسعار الأدوية، وذلك ما تفعله وزارة شؤون قدامى المحاربين محققة وفورات هائلة. وذلك ما تفعله الدول الأخرى. ومع ذلك، فإن المبالغ التي تنفقها الولايات المتحدة على الأدوية، أعلى بكثير من تلك التي تنفقها الدول الصناعية الأخرى، على الرغم من أن دافعي الضرائب الأميركيين غالبا ما قدموا الأموال اللازمة لاختراع تلك الأدوية.

هل يعقل هذا؟ عندما انضم بوش إلى الكونغرس الجمهوري لتمرير مشروع قانون عقارات الوصفة الطبية، بدأ لوبي شركات الأدوية في العمل، إذ ترأس النائب الجمهوري آنذاك بيلي توزين، اللجنة الرئيسة، وكتب في مشروع القانون بندا استثنائياً يمنع "ميدي كير" من التفاوض للحصول على خصومات بالجملة على العقارات. وقد كانت الحاجة إلى المنافسة المبرر المعلن لذلك البند، حيث ان السماح لبرنامج "ميدي كير" باستغلال حجمه ليشكل ميزة تنافسية على شركات التأمين الخاصة، لا طائل منه.

ولكن الغاية الحقيقية لم تكن المنافسة، وإنما الفساد. ففي أعقاب تمرير مشروع القانون، تقاعد توزين من الكونغرس ليعمل رئيساً للوبي الشركات الأميركية العاملة في مجال البحوث والصناعات الدوائية، براتب قدره مليونا دولار سنويا. وليست تلك خطة تقاعد سيئة.

وقد يشكل توزين حالة فظيعة، ولكنه، كما أثبت رئيس مجلس النواب السابق نيوت غينغريتش، بعيد كل البعد عن أن يعتبر فريداً من نوعه. فبعد تقاعد غينغريتش من الكونغرس، تفرغ للعمل في واشنطن، وملأ جيوبه بـ1,6 مليون دولار من شركة "فريدي ماك"، إلى جانب أمور أخرى. وعلى الرغم من أن غينغريتش زعم أنه قد تم توظيفه كـ"مؤرخ"، فقد قالت مصادر في "فريدي ماك" إن الشركة قامت بشراء نفوذه، لكسب تأييد المحافظين لنموذج فريدي "العام ـ الخاص".

وقد عمد غينغريتش إلى الترويج علنا للنموذج، حتى في الوقت الذي كانت "فريدي ماك" تغرق في سوق رهن عقاري منهار بالفعل. غير أن المبالغ التي حصل عليها غينغريتش من قطاع الرعاية الصحية، فاقت تلك التي حصل عليها من "فريدي ماك".

وتعمد قوة لوبي الرعاية الصحية، الذي يشمل شركات التأمين الخاصة وشركات الأدوية ومجمعات المستشفيات الخاصة والجمعية الطبية الأميركية، إلى جعل نظام الرعاية الصحية الأميركي النظام الأكثر تكلفة على مستوى العالم.

والآن، أصبحت هذه التكاليف، الآخذة في الارتفاع بوتيرة أسرع من معدل التضخم، لا تطاق. وفي حال استمرت على هذه الوتيرة، فإن الرعاية الصحية ستؤدي إلى إفلاس الجميع، بما في ذلك الحكومة الفيدرالية، وحكومات الولايات، والشركات الخاصة، والأسر. وتعد حالات الرعاية الصحية الطارئة، بالفعل السبب الرئيس وراء الإفلاس الشخصي. لابد من إحداث تغيير جوهري.

ويتضمن إصلاح الرعاية الصحية الذي اقترحه الرئيس الأميركي باراك أوباما، عدة تدابير من الممكن أن توفر المال. ولكن في سبيل تجاوز جماعات الضغط في مجال الرعاية الصحية، تم تقديم التنازلات وعقد الصفقات، وبذلك استمر الحظر غير المبرر، الذي يمنع "ميدي كير" من التفاوض على خصومات على العقاقير المباعة بالجملة.

وهذا الواقع جزء مما يعطي احتجاجات "احتلوا وول ستريت" قوتها. فهناك تحديات رئيسة يجب أن نواجهها كدولة، ومنها ظاهرة الاحتباس الحراري، والانتقال إلى الطاقة المتجددة، وتوفير الرعاية الصحية بأسعار معقولة، والحد من المضاربة المالية، وإحياء الصناعات التحويلية، وتغيير سياسات تجارة الشركات. وفي كل مرة، تلبي التغييرات المطلوبة، احتياجات جماعات الضغط الراسخة وسياسات الأموال الكبيرة الفاسدة في أميركا.

إننا بحاجة إلى حركة مواطنين، من شأنها أن تجعل اقتناص الأموال أمراً محفوفاً بالمخاطر، وأن تخضع المشرعين من كلا الحزبين للمساءلة.

 

Email