هذا رقم صحيح.. إنه ليس خطأ مطبعياً يا قارئي العزيز...

فهذه الـ 40 سنة خلفنا وكأنها 400 عام اختصرت في أربعين عاماً مرت في سرعة خيالية تشبه سرعة البرق، تاركة خلفها العشرات والعشرات من الدول تتخبط في سياسات الخلافات والاختلافات والصدامات والأنانية والمصلحة الفردية والإهمال والفوضى والتخلف في شتى أنواع الحياة من نظام وسياسة واقتصاد وبنية تحتية وتعليم وصحة وتكنولوجيا.

40 عاماً من الفكر الواسع والحرية الموزونة التي لا تضر بالحرية، والكلمة التي لا تضر بالكلمة، والرأي الذي لا يضر بالرأي، وبالنقاش الذي لا يضر بالنقاش، والنقد الذي لا يضر بالنقد، حتى أصبحت الكلمة لا تخرج لمجرد عبث الكلام بل لإضافة لبنة أخرى على إكمال صرح عمل على بنائه أجدادنا وآباؤنا وأنفسنا وأبناؤنا وأحفادنا على مدى أربعين عاماً من العمل الذي لا يتوقف.

40 عاماً من الكرم العربي الأصيل الذي قل أن يوجد في مثل زماننا مثله أو مثيلًا له أو منافساً له أو مساوياً له، كرم تعدى الذات ليخرج إلى أرض الله الواسعة، حيث هبت الرياح وذهبت السحب وسقطت الأمطار، كرم طال الصغير والكبير، كرم الأب على أبنائه، وكرم الأخ على أخيه، وكرم الصديق على أصدقائه، بل ربما طال الكرم الإماراتي العربي الأصيل العدو الذي يعلن العداء والمنافق الذي يضمر الحقد عندما يتطلب الكرم أن نكون أكثر من كرماء، لا غرض في أنفسنا بقدر ما أنه، كما يقول الله في كتابه العزيز: (إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا) صدق الله العظيم. وهذا هو قمة الكرم، فلا يوجد بيت في دولتنا إلا وفضل الاتحاد عليه ينبت في زاوية من زواياه، وما وصل خبر محتاج إلى من بيدهم الأمر حتى هبوا إلى نجدته مغامرين بحياتهم، وما رأوا من نقص حتى تنافسوا على سده، ولا شاهدوا محتاجاً حتى مدوا له يد العون بصمت الحكماء ورفعة الشرفاء ونزاهة العقلاء، وتعدى كرمهم وحكمتهم وطيبتهم حتى أمطر حلمهم على من أضمر أن يضر بهم، فصدق عليهم قول الله تعالى: (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس)، فهو عفو المقتدر لحظة القدرة على الانتقام، وهو بالتالي قمة الكرم.

40 عاماً من التقدم الذي شمل كل شيء، وإذا بنا نطال عنان السماء بعمراننا ونشق السحب بنفاثاتنا ونحفر الأرض بأنفاقنا حتى وصلنا إلى أعماق أعماقها وصنعنا المعجزات مع البحر المالح فأنبت الشجر والثمر والزهر، وسيرنا القطارات تلو القطارات، وملكنا أكبر أسطول جوي نافس السحب سرعة وأوصلنا إلى أبعد نقطة في الأرض رأتها عين أو سمعت بها أذن، وأصبحت دولة الإمارات وجهة الغرباء والمستضعفين والباحثين عن لقمة عيش أو طمعاً في زيادة في السعة، ففتحنا موانئنا البرية والبحرية والجوية بوسائل من أكثر وسائل العالم تقدما وتطورا وحداثة وسرعة وأمنا، حتى أصبح دخول الأجنبي إلى أراضي دولة الإمارات أسهل وأسرع من دخوله إلى أراضي بلده! والزائر الذي جاء ليبحث عن غرفة لينام فيها وجد أمامه عشرات الآلاف من الغرف الفخمة التي تسر الناظرين، أو يبحث عن مكتب فوجد أمامه عشرات الآلاف من المكاتب التي تزيد على حاجته، بينما هناك شعوب غنية ليست ببعيدة عنا ينام أبناؤها وضيوفها وزوارها بشهادة شاهد - في براميل من الحاويات التي ترفضها النفس البشرية، بينما تملك ما نملك وتكسب ما نكسب، غير أننا نظرنا لمستقبل بلدنا بعين ونظروا إلى مستقبل بلدهم بعين أخرى. غامرنا وعملنا وبنينا، وهم شعروا بالتردد أمام المستقبل فجلسوا يتثاءبون ثم غلبهم النعاس فناموا ولم يستيقظوا بعد.

40 عاماً من الأمن الذي لا أمن بعده، وهذا الأمن بفضل من الله على شعب أحب الله فأحبه، وأمن با لله فأمنه وأسلم لله فسلٌمه، حتى أصبح الغريب الخائف يحتمي بنا ليأمن على أهله وماله وعرضه من مصائب الدنيا وغدر حاكمه وفساد أخلاق بني جنسه، وأصبحنا ننام آمنين مطمئنين غير خائفين بينما أبوابنا مشرعة ونوافذنا مفتوحة وأملاكنا متروكة يحرسها الله ثم أبناء هذا الوطن، وإذا ما أصاب أحدنا مكروه وجدنا حماته عند أبوابنا، وإذا بدولة الإمارات تعتبر واحدة من أكثر دول العالم تقدماً في استخدام وسائل الحفاظ على الأمن والسلامة، وما لاذ بالفرار صاحب جناية إلا وضبط قبل أن تشرق عليه الشمس، وجاءت عدالة قضائنا لتسند الأمن كما تسند الدعامة الجدار، فما اعتدى أحد إلا ولقي جزاءه بما يناسب فعلته، في عدالة قل نظيرها في هذا الزمن، ولم يفرق قضاؤنا بين عربي وأعجمي ولا غلبت مسلم على نصراني ولا فضلت أبيض على أسود، كيف وشريعة بلدنا هي شريعة الله؟ ترى كم منكم شعر مع كثرة تجواله وتعدد أسفاره في العالم أمناً كأمننا وعدالة كعدالتنا؟

40 عاماً من الوطن الذي يحب الوطن، 40 عاماً من السير بخطى ثابتة، 40 عاماً من التضحية للآخر، 40 عاماً من الود والتفاهم، فهل سمعتم بوحدة عربية دامت لأكثر من سنتين؟ هل سمعتم بدولة عربية دعت جيرانها إلى ما يشبه وحدتنا؟ هل رأيتم تضحية كتضحية قادتنا وتواضعاً كتواضعهم وتنازلًا لإخوتهم كتنازلهم؟ هل سمعتم أن حاكم إمارة في دولتنا طالب بحقه في كرسي الرئاسة أو هدد بترك المسيرة؟ فكلهم جميعاً اشتغلوا وانشغلوا وسهروا في عملية البناء والتشييد وبقضايا أبنائهم وبلدهم وجيرانهم وأبعد من جيرانهم ونسوا لحظتها الحلم في كرسي القيادة فكلهم قادة، وفي الطمع في الرئاسة فكلهم رؤساء وفي متعة الحكم فكلهم حكام ورفضوا إغراءات المنصب ومتعة الأمارة لأنهم نذروا أنفسهم لأن يكونوا خدماً للوطن ولأهله، وجعلونا نحن سادة في الوطن.