الكساد الكبير كما يراه الأميركيون

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ عامين، طلبت من آرثر ديلاني، وهو أحد الصحافيين الميدانيين الشباب الموهوبين في صحيفة «هافينغتون بوست»، أن يركز تغطيته على شيء واحد، وهو أن يعطي البيانات المتعلقة بأزمتنا الاقتصادية نوعاً من الحياة، وأن يبحث عن قصص واقعية حول الأشخاص العاطلين عن العمل، وأولئك الذين يواجهون خطر حبس الرهن، والمنتمين إلى «الطبقة الوسطى سابقاً».

كان ذلك في عام 2009، وقد شكل انحدار الطبقة الوسطى حينذاك أحد الموضوعات التي كنت مهووسة بها في كتاباتي الخاصة. من حالات حبس الرهن إلى البطالة إلى الديون إلى الإفلاس، كان من الواضح أن الطبقة الوسطى الأميركية، التي تمثل أساس ديمقراطيتنا، كانت تتعرض للهجوم من كل الجهات. وكان من الواضح أيضاً أننا في وسائل الإعلام لم نبذل جهوداً كافية لتسليط الضوء على تأثير ذلك الهجوم على واقع حياة الناس اليومية.

تبنى آرثر مهمته بمزيج قوي من العاطفة، والتعاطف، وجرعة صحية من الغضب. وقد تم جمع تقاريره المؤثرة الآن في «تاريخ شعب في ظل الكساد الكبير»، وهو كتاب صدر أخيراً في ظل عيد العمال وفي أعقاب أسوأ تقرير وظائف على مدى 11 شهرا.

وعلى امتداد عامين، كانت مهمة آرثر تتمثل في إيجاد الأسر والأفراد الذين كانوا يعانون من الآثار الناجمة عن الدمار الاقتصادي، وفي رواية قصصهم بطريقة تأسر خيال الجمهور وتلمس قلوب الناس.

وكما يقول بول لوب، مؤلف كاتب «روح مواطن»: «يسعى الناس لتحقيق العدالة عندما تحرك قلوبهم قصص حياة أشخاص معينين ومواقف معينة تطور قدرتنا على الشعور بالتعاطف، وعلى أن نتخيل أنفسنا مكان شخص آخر». وأضاف: «هناك معلومات جديدة مفادها أن النسبة المئوية للأشخاص العاطلين عن العمل أو للأطفال الذين يعانون من الفقر، والقيم القياسية لتكاليف الرعاية الصحية في أميركا، والزيادات السنوية في انبعاث غازات الاحتباس الحراري قد تساعدنا على فهم جسامة مشكلاتنا المشتركة والاستجابة بصورة ملائمة. ولكن المعلومات وحدها لا توفر الرابط العضوي الذي يربط شخصاً بآخر، أو الذي يحفز قلوبنا على التحرك. في حين تعمل القصص الخبرية القوية على إخراجنا من عوالمنا المعزولة «.

إن الأشخاص الذين روى آرثر قصصهم يوماً بعد آخر تأثروا بعمله. وأذكر أنني توجهت إلى «سيتي فيلد» في حي «كوينز» بنيويورك في الخامسة صباحاً لاستقبال الأشخاص القادمين لاستقلال 200 حافلة إلى واشنطن، للانضمام إلى «رالي جون ستيوارت لاستعادة سلامة العقل». وقد كانت إحدى الحافلات مخصصة للأشخاص الذين كانوا عاطلين عن العمل لأكثر من 99 أسبوعا (وهي المرحلة التي تنتهي عندها جميع إعانات البطالة). وقد اقترب مني عشرات الأشخاص ليسألوا: «أين هو آرثر؟» فقد أصبح آرثر جزءا من حياتهم، وليس مجرد مراسل من مسافة بعيدة، وإنما شخص يوظف رحمته وتعاطفه ومواهبه البارزة في إحداث تغيير في حياة أولئك الأشخاص من خلال ضمان أن يعرف الناس بمحنهم ويسمعوا أصواتهم.

وبالقدر نفسه من الاهتمام والتفاني، اللذين كان يشوبهما الغضب في بعض الأحيان، أجرى آرثر لقاءاته مع الأشخاص المسؤولين عن صنع السياسة العامة. وأذكر أنني في صباح أحد الأيام كنت جالسة في مكتب نانسي بيلوسي، عندما كانت لا تزال رئيسة لمجلس النواب، مع عدد من الصحافيين من مكتبنا في العاصمة. وبينما كانت تصف خطتها التشريعية، صاح آرثر قائلاً: «وماذا يمكننا أن نقول للعاطلين عن العمل، فأنا أتلقى رسائل إلكترونية كل ساعة من أشخاص يستفسرون عما يحصل».

ومن السهل جداً بالنسبة لعدد كبير من الصحافيين أن يتجاهلوا حقيقة أن ما يجري في واشنطن هو أكثر من مجرد مسرح سياسي. ولكن ذلك لا ينطبق على آرثر.

ونادراً ما كانت الهوة بين مخاوف عامة الناس والسيرك الذي يجري في واشنطن كبيرة إلى هذا الحد. وبالنسبة لآرثر، فقد كان هناك رابط دامغ وملموس بين السياسة وتأثيرها اليومي على جميع أنحاء أميركا. ولو كان جميع العاملين في وسائل الإعلام يتمتعون بشغف آرثر وموهبته في ربط هذه القصص بالواقع، لكان قادتنا، كما قال ريتشارد كلارك، يتخبطون كما لو أضرمت النار في شعورهم.

إذا كان صحيحا أننا نستطيع أن نحقق «أي هدف نضعه نصب أعيننا»، كما قال الرئيس الأميركي باراك أوباما لدى إعلان مقتل أسامة بن لادن، فلم لا نضع نصب أعيننا إعادة إشعال الحلم الأميركي للجميع، وليس فقط للقلة الذين يعتبرون الركود مشكلة من الماضي لا تمت إليهم بصلة؟ فلا يوجد في هذه اللحظة ما هو أهم من ذلك لنقوم به كدولة. والمكان الذي يمكننا البدء منه هو أنفسنا. فقد اختار السياسيون الأميركيون تضييق أفق مخيلاتهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يفعلوا ذلك بمخيلاتنا.

ولا شك في أن وسائل الإعلام تتحمل بعض المسؤولية أيضاً، وأنا أدرج في هذا كل عنصر من عناصر الإعلام، بما في ذلك الرأي العام ووسائل الإعلام الجديدة ونحن جميعاً. لأن قول الحقيقة هو في نهاية المطاف أسمى الواجبات بالنسبة للصحافيين ولجميع المواطنين بكل تأكيد، لا سيما في ظل تعدد الأزمات ومعاناة الملايين.

وفي الوقت الذي تفصل واشنطن نفسها، يتعين علينا نحن أن نترابط، أكثر من أي وقت مضى. ففي أوقات الأزمات والتغييرات المدمرة، يكون التعاطف الخصلة الأكثر قيمة التي يمكننا أن ننميها إذا كنا ننوي استعادة مصائرنا، ومصير أمتنا.

 

Email