التوطين من المنظور الإداري والاقتصادي

ت + ت - الحجم الطبيعي

موضوع يهم كل مواطن ووافد على السواء، لأنه يؤثر في حياة كل شخص يعيش ضمن المنظومة الاقتصادية التي تستهدفها هذه العملية الإدارية والاقتصادية، وكل شخص سيكون في طرفي المعادلة. وعملية التوطين التي نعيشها في الإمارات لم تخدم أي منا كثيرا كصاحب خبرة أو متلقي خبرة، بل جعلتنا في منطقة نزاع وتضارب مصالح لا ينتهي إلا بانتهاء أحد طرفي المعادلة خارج المؤسسة.

المنظور الإداري لعملية التوطين غير واضح، وهو توجه عام غير مدعوم بتشريع واضح، ولا توجد رقابة فعالة عليه. فهل التوطين واجب وطني أم شعار يفهمه كل من يريد حسب تحليله الشخصي للموضوع؟ فمنهم من يفهمه على أنه تأميم كل وظيفة يكون فيها غير المواطن، ليتم إحلال مواطن مكانه، وهذه نظرة عددية إحصائية بحتة، فهل هذا هو التوطين؟

 وآخرون يرون أنه عدد معين من المواطنين لا يتجاوزون درجة وظيفية معينة، فعندما يسأل هذا المدير عن التوطين يقول: نعم عندي مواطنون. يعني مجرد صورة، بحيث يكون هؤلاء المواطنون ضحية تأمين وظيفة ذلك المدير، سواء حضروا للعمل أم لم يحضروا، يعملون أو لا ينتجون.. لأن الآخرين هم الذين ينجزون العمل، وينتهي بنا الأمر إلى البطالة المقنعة.

وهناك من يفهم التوطين على أنه قسم أو إدارة شؤون الموظفين المواطنين في الشركة أو المؤسسة، فيظهر الاهتمام والتطبيق بعلامة وجود هذا القسم، وقد تكون هذه الشركة أو غيرها من أكثر الشركات على مستوى الدولة بيئة طاردة للمواطن، فتكون الحصيلة الناتجة قليلة جدا مقابل هذا العمل الإداري، والذي يوجد تكلفة إضافية على المؤسسة، فينتهي هو الآخر ليس أفضل حالا من المنظومة الإدارية الاخرى.

حيث يكون دون نتيجة تذكر. وهناك من يرى التوطين في الكفاءة والرجل المناسب في المكان المناسب، فيقوم بوضع مجموعة من الضوابط باجتهاد شخصي منه، لعملية التوطين في إدارته أو شركته وعمل خطة إحلال، لكن عند التنفيذ يجد نفسه عاجزا لثلاثة أسباب؛ أولها أن المواطن غير جاهز، وثانيا أن لا يستغني عن صاحب الخبرة، وثالثا لأن نظام التوطين الحالي لايقدم له آلية عمل تحل هذه المشكلة!

المنظور الاقتصادي لعملية التوطين، يجب أن يتغير من التركيز على القطاع الحكومي إلى القطاعات الأخرى، فأين قطاع الصناعة والقطاع الخاص والقطاع الخدمي؟ فمثلا، مكاتب التدقيق العالمية الموجودة في بلادنا، لماذا لم توطن؟ وهذا من أهم القطاعات الاقتصادية في الدولة، بسبب الدور المتشعب الذي يلعبه هذا القطاع على مستوى اقتصاد الدولة. ولماذا لا يوجد توطين للصناعات، وهذا قطاع قيادي في العملية الاقتصادية؟ ونظرة التوطين في هذا القطاع يجب أن تكون على البعدين الاقتصادي الكلي والاقتصاد الجزئي، وأيضا علينا أن نبدأ باستهداف الاقتصاد الرقمي وتوطينه، قبل أن يتشكل بصورة عشوائية غير مدروسة، تتوجب معالجتها لاحقا لحل أزمة البطالة.

اقتصاديا، نحتاج إلى خبرات وكوادر مؤهلة تساهم في عملية التنمية الاقتصادية، ولكننا نحتاج أن نزاوج ذلك بعملية إدارية لتوطين يكون ناتجا اقتصاديا حقيقيا ورافدا لتحسين ما نسميه في علم الاقتصاد توزيع الثروة، حيث نحن ملزمون اقتصاديا بمواطنينا ومعالجة نسبة البطالة، لكننا وجدنا أنفسنا نعالج البطالة في دول أخرى لا تخصنا، وذلك لنقص التشريعات الضرورية لعملية التوطين. فالدولة تجتهد لضخ الأموال لتصب في صالح الناتج المحلي لاقتصادها، بينما تضخ هذه الأموال من الجهة الأخرى خارج الدولة، على شكل حوالات الرواتب التي مؤثر بشكل كبير في دخول واقتصاد تلك الدول، فتكون العملية الاقتصادية غير متزنة بالشكل المطلوب لصالح الدولة.

الدمج والتزاوج بين منظومتي الاقتصاد والإدارة في عملية التوطين، هو مفتاح لحل مشاكل كثيرة إداريا ولتبعاتها الاقتصادية. مثلا، تكون هناك آلية تشريع تطالب بتوجيه سوق العمل، تبدأ من الجامعات بفتح أو إغلاق بعض التخصصات، ودراسة حاجات سوق العمل، وتحديد السوق المستهدف، وتكييف تشريع يواكب مناخ التوطين، علاوة على ترتيب إداري لعملية التوطين، عبر اختيار المواطن الأكثر جاهزية، وإعداده ليكون مرشحا لمنصب معين، ولكن ليس لينتهي به المقام في الطريق.

حيث إن نزع الفتيل بين صاحب الخبرة ومتلقي الخبرة سيكون هو من أهم مفاتيح النجاح، لأنه سينتهي بمواطن يساهم في عملية التطوير الاقتصادي، ويمكن لهذا الشخص صاحب الخبرة أن يكون لنا ترسا في عجلة التوطين والتنمية الاقتصادية، لا يرمى بعيدا ولكن يجب توظيفه بالشكل الصحيح. كما يلزم عمل الدراسات الاقتصادية لما سيكون عليه الوضع الاقتصادي في ظل تطبيق النظام، ليكون محفزا على تطوير هذه العملية بشكل يواكب التطور الاقتصادي المنشود.

إذا درسنا الواقع وجدنا أن هذا النوع من الاستثمار الاقتصادي، يرجع بفائدة كبيرة على عملية التنمية الاقتصادية وبشكل مستدام، ما يؤدي بدوره إلى تطور اقتصادي بالكلفة العامة لنظام الدولة من مختلف المناظير، وربط هذا بالكفاءة الإدارية التي من شأنها أن ترفع من جاهزية الدولة، للسيطرة على تكلفة يجب أن يكون النظام الحالي للتوطين قد قام بحلها من جذورها، لو أنه كان فعالاً كما يجب.

 

Email