على أعتاب الانتخابات المغربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشهد المغرب هذا الأسبوع أولى انتخاباتها التشريعية في ظل التعديلات الدستورية الجديدة، التي تفتح الباب أمام تحولها إلى ملكية دستورية. وسيكون البرلمان المغربي المنتخب أول برلمان يشكل الحكومة، حيث قضت التعديلات الدستورية بأن يشكل الحزب الذي يحتل العدد الأكبر من مقاعد البرلمان الحكومة.

وهذه الانتخابات وما سبقها من تعديلات دستورية جذرية، وإن لم ترضِ كافة أطياف النخبة السياسية المغربية، هي محاولة من الحكم المغربي، لتجنب عدوى الربيع الديمقراطي العربي، الذي بدأ بتونس ثم تبعتها مصر. فبعد هذه الثورات نشأت في المغرب حركة شبابية تسمي نفسها "حركة 20 فبراير"، طالبت بإجراء إصلاحات جذرية على نظام الحكم وتحويله إلى نظام ملكي دستوري، وهو ما استجابت له المؤسسة الملكية جزئياً بالتعديلات الدستورية، ثم بإجراء الانتخابات التشريعية المقررة في 25 نوفمبر الحالي.

والمحك الأول لنجاح هذه الانتخابات سيكون هو نسبة المشاركة فيها، ذلك أن المغرب عادة ما تشهد نسبة متدنية للمشاركة في الانتخابات، فسرها البعض بعدم اقتناع الناخبين بالخريطة السياسية الراهنة. وحسب الأرقام الرسمية فإن آخر انتخابات جرت في المغرب شارك فيها 38% فقط من الناخبين، أما الأرقام غير الرسمية فهي تتراوح بين نسب أقل من ذلك بكثير. أما عدم اقتناع الناخبين بالعملية السياسية، فيرجع إلى استقرار الخريطة الحزبية الراهنة، الأمر الذي أدى إلى عدم انعكاس ما يشهده المجتمع المغربي من حراك اجتماعي وسياسي، على هذه الخريطة. ولعل هذا الأمر هو الذي أعطى زخما لحركة 20 فبراير الشبابية، لأنها كانت بمثابة تحريك للمياة الراكدة في بحيرة السياسية المغربية.

ولا تبدو الخريطة السياسية الجديدة التي سوف تسفر عنها الانتخابات واضحة، وليس هناك حزب مرجح أن يحصل على أغلبية مقاعد البرلمان، ما يعني أن الحكومة المقبلة ستكون مثل سابقتيها؛ حكومة ائتلافية.

ولكن هناك من يرجح أن يأتي حزب العدالة والتنمية ذو الجذور الإسلامية في المقدمة، وبالتالي سيحق له تشكيل الحكومة مع أحزاب أخرى. كذلك من المتوقع أن يستعيد الاتحاد الاشتراكي جزءًا من شعبيته التي فقدها، بسبب مشاركته في تشكيلات حكومية لم تكن ناجحة في السنوات الخمس عشرة الأخيرة، أي منذ أن بدأ المغرب تجربة تداول السلطة بين أحزاب الموالاة والمعارضة، حيث شكلت الكتلة الديمقراطية التي تمثل يسار الوسط، الحكومات الثلاث الأخيرة.

وفي رأي معظم المراقبين، فإن الاتحاد الاشتراكي لديه كتلة تصويتية كبيرة، لكنه تعرض في الانتخابات الماضية الأخيرة إلى التصويت العقابي، إلا أنه في أعقاب ذلك حسن من وضعه لدى الفئات التقليدية لديه، كما أنه الحزب الأقرب إلى قلوب شباب 20 فبراير.

وإضافة بالطبع إلى العدالة والتنمية، والاتحاد الاشتراكي، وحزب الاستقلال الذي يترأس الحكومة الائتلافية الحالية ويتمتع بشعبية تقليدية، فقد تشكلت كتلة سياسية من 8 أحزاب، منها حزبان في الحكومة الحالية، وأطلق على الكتلة مسمى "التحالف من أجل الديمقراطية". ويبدو أن محمد العنصر الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، الذي لعب دورا في تشكيل هذا التحالف، يعد نفسه من الآن لمرحلة ما بعد الانتخابات، حيث يريد أن يكون تحالفه رقما صعبا في أية معادلة سياسية مقبلة. ويبدو أيضا أنه رأى أن ائتلاف الحكومة القائم لن يكون له حظ في الاستمرار بعد الانتخابات، بالتعديل أو الإضافة، لأنه يبدو أن هناك قرارا لدى الناخبين بتجريب صيغة أخرى من الحكم لم يتم تجريبها من قبل.

والمغرب تكاد تكون هي الدولة العربية الوحيدة التي تكيفت مع الاتجاه العالمي في التحول الديمقراطي، الأمر الذي جنبها أي تحركات شعبية تطالب بإصلاح جذري يمكن أن يرفض النظام الملكي. وقد جاءت استجابة المؤسسة الملكية لكافة التحولات الإقليمية والدولية المتعلقة بالتحول الديمقراطي، لتؤكد سمة أساسية من سمات النظام السياسي المغربي، وهي مركزية المؤسسة الملكية وهيمنتها على كافة المؤسسات الأخرى.

فضلاً عن ذلك، فإن الاستجابات، وإن كانت تؤكد تكيف النظام السياسي مع متطلبات العصر بما جعله أكثر تقدمية من دول أخرى إقليمية تدعي الحداثة في نظامها السياسي، فهي تأتي دائما كمنحة من الملك لشعبه، وهو الأمر الذي ترفضه فئات مغربية، في مقدمتها حركات الشباب التي تريد نظاما سياسيا حديثا كحق للسكان، وليس كمنحة من الحاكم.

والمؤكد أن الانتخابات التشريعية المغربية المقبلة، سوف تسفر عن خريطة سياسية جديدة تماما، حيث من المتوقع أن تتراجع قوى تقليدية وتتقدم قوى أخرى جديدة، لكن التغيير المتوقع لن يكون جذريا تماما، لأن الشعب المغربي يفضل دائما، وحسبما نرى منذ 30 عاما، أن يكون التغيير تدريجيا. فصورة الخريطة السياسية الراهنة، المرجح لها أن تتغير، كانت منذ 15 سنه تختلف تماما عنها اليوم، ولكن هذا التغيير تم على مراحل وفي 3 استحقاقات انتخابية، ولم يتم في استحقاق انتخابي واحد.

وخطورة هذا التوجه، أنه في ظل التحول الشامل الذي تشهده أكثر من دولة عربية، فإن قطاعات من الشباب لن ترضى به مما قد يفتح بابا لعدم الاستقرار. من هنا نفسر أسباب إصرار النخبة السياسية المغربية على مطالبة الناخبين بالمشاركة، لأن نسبة المشاركة العالية ستعطي شرعية للعملية برمتها، وهو ما يحصن التجربة من أي انتقادات توجه إليها مستقبلا.

 

Email