أميركا والقروض الطلابية

ت + ت - الحجم الطبيعي

ساهمت إحدى اللافتات التي رفعت في احتجاجات «احتلوا وول ستريت» في الكشف عن معاناة الشباب في أميركا، حيث كانت تقول: «حاصل على شهادة البكالوريوس، وفي ذمتي قرض طلابي بقيمة 30 ألف دولار، ولا أملك وظيفة». إذ تتخرج شريحة الشباب من الجامعة إلى أسوأ سوق وظائف منذ ثلاثينات القرن الماضي، وهي مثقلة بمستويات قياسية من الديون الطلابية. والحقيقة المحزنة عن احتجاجات «احتلوا وول ستريت» هي أنه بالنسبة للكثير من الناشطين الشباب، فإن وول ستريت هو الذي احتلهم أولاً.

ويقترض الطلاب حالياً ضعف المبالغ التي كانوا يقترضونها منذ عقد من الزمن، حتى بعد التكيف مع التضخم. وقد تضاعف إجمالي الديون المستحقة في غضون السنوات الخمس الماضية. وتتجاوز الديون الطلابية الآن ديون بطاقات الائتمان، ومن المرجح أن تزيد على تريليون دولار خلال العام المقبل.

وهذه الفقاعة تتضخم بسرعة أكبر من السرعة التي تضخمت بها فقاعة الإسكان قبل أن تنفجر. وفيما تقوم الولايات بخفض الدعم والمنح المقدمة للجامعات، فإن الأقساط الجامعية ترتفع بصورة أسرع من ارتفاع تكاليف المنازل أو الرعاية الصحية أو الطاقة. ويعتقد عدد متزايد من الأميركيين بأن الحصول على تعليم جامعي هو المفتاح لمستقبل الأبناء، وبالتالي فإن عدداً متزايداً منهم يلجأ إلى الاقتراض بقدر المستطاع ليمنح أبناءه فرصة العيش حياة كريمة.

ونتيجة لذلك، فإن الطلاب يتخرجون الآن مع متوسط ديون يبلغ 24 ألف دولار. وعندما أتحدث إلى أسر في قرى التعدين بمناطق جبال أبالاتشيا، فإنني أسأل عن عدد الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم، والأشخاص الذين يواجهون حبس الرهن، وأولئك الذين يعانون من ارتفاع قيمة فواتيرهم الطبية. فيرتفع عدد كبير من الأيدي. ولكن عندما أسأل عن عدد الأشخاص الذين يشعرون بالقلق حيال القروض الطلابية، فإن الشق الأكبر من الجمهور يقف على قدميه. إن الأسر العاملة، وهي الأسر التي تفعل ما بوسعها لتقدم لأبنائها الفرصة التي لم تحظ بها يوماً، هي التي تتحمل الجزء الأكبر من الديون، وهي الأكثر عرضة للخطر.

وقد عمدت الصناعة المصرفية إلى استغلال نفوذها لجعل هذه القروض أشد قسوة من أي دين آخر. فهي تحافظ على بقائها حتى في وجه الإفلاس. ويتمتع المقرضون بسلطات تحصيل واسعة النطاق، وأكبر بكثير من تلك التي تتمتع بها الرهون العقارية أو بطاقات الائتمان. إذ يمكنهم الاستحواذ على الأجور أو حتى أقساط برنامج «الضمان الاجتماعي» في حال استمرت القروض لفترة طويلة. وتواصل الفوائد تراكمها في ظل عدم تسديد الأقساط، والعقوبات قاسية. إن الطلاب الذين يتخرجون ومن ثم يفقدون وظائفهم بصورة مفاجئة يجدون أنفسهم مدينين بصورة مضاعفة.

وبالنسبة لعدد متزايد من طلاب الجامعات، فإن أعباء الديون تعمل على تقييد أحداث الحياة العادية. فهم يضطرون إلى تأجيل الخروج من منزل آبائهم أو شراء سيارة أو ادخار المال من أجل شراء منزل أو التقاعد. كما يضطرون إلى تأجيل الزواج أو إنجاب الأطفال، نتيجة إلى الديون التي تثقل كاهلهم وتستنزف رواتبهم. وفي ظل هذا الاقتصاد، فقد ارتفعت معدلات التخلف عن السداد وسط سوق عمل صعب.

ففي عام 2008، وهو آخر عام تتوافر عنه البيانات، شرع ما يقرب من 3,4 ملايين مقترض في عملية السداد، في حين تخلف أكثر من 238 ألفاً عن سداد قروضهم. ووفقاً لصحيفة «كرونيكل أوف هاير إديوكيشن»، فإن نسبة القروض التي وصلت الى حد التأجيل (وهو عندما يحصل المقترضون إعفاء مؤقتاً من الأقساط) ارتفعت إلى 22% في عام 2007، بعد أن كانت 10% قبل عقد من الزمان. وعلى مدى 15 عاماً، فإن معدلات التخلف عن السداد تتراوح بين 20% للقروض الاتحادية إلى 40% على القروض التي تعطى للطلاب الذين يلتحقون بجامعات ربحية.

وقد عايش كل من الرئيس الأميركي باراك أوباما وزوجته ميشيل هذا الواقع شخصياً، حيث ناضلا لسداد قروضهما الطلابية لفترة طويلة بعد تخرجهما من أفضل الجامعات الأميركية. وقد عمد الرئيس إلى زيادة منح «بيل»، وتقديم إعانة من شأنها أن تصل أقساط القروض الحكومية بالدخل وأن تتيح أمكانية التسامح مع الأشخاص الذين يعملون في وظائف حكومية.

ولكن على الرغم من هذه الزيادة في المعونات الطلابية، وهي أكبر زيادة منذ برنامج «جي آي بيل» الذي استحدث بعد الحرب العالمية الثانية، فإن الديون آخذة في التفاقم. ويعمد الأميركيون إلى اتباع سياسة التقتير في ظل هذا الكساد الكبير، وهم يعملون على تخفيض الديون المتراكمة على بطاقاتهم الائتمانية ورهونهم العقارية وقروضهم الشخصية. إلا أن القروض الطلابية تواصل ارتفاعها.

ولا يعمل نطاق هذه القروض على استعباد المقترضين فحسب، بل إنه يهدد الاقتصاد كذلك. ومع وقوع الملايين من الشباب تحت وطأة الديون، فإن الطلب على الشقق والمنازل والسيارات وأي سلع استنسابية يستمر في الانخفاض. وحتى المحافظون، بمن فيهم زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس النواب الأميركي اريك كانتور، يقرون بأن متظاهري «احتلوا وول ستريت» محقون.

ويمكن لاحتجاجات «احتلوا وول ستريت» أن تأخذ زمام المبادرة لعقد جلسات استماع في الكونغرس، وتطرح الأسئلة الصعبة التالية، وتطالب بإجابات وحلول. لماذا ينبغي أن تكون البنوك الكبرى قادرة على الحصول على المال بفائدة شبه معدومة من مجلس الاحتياطي الاتحادي، في حين يجبر الطلاب على دفع معدلات فائدة أعلى من ذلك بكثير؟

لماذا ينبغي أن تكون محاكم الإفلاس قادرة على إعادة كتابة الرهون العقارية على منازل العطلات الخاصة بالأثرياء في حين لا يمكن المساس بالقروض الطلابية؟ إن الطلاب بحاجة إلى تشريع يسمح بإعادة تمويل قروضهم في محكمة الإفلاس، أو بشطبها. وإذا كان تزويد جيلنا المقبل بمستوى متقدم من التعليم والتدريب يشكل أمراً ضرورياً بالنسبة لبلادنا، فلم لا نقدم للطلاب المنح أو القروض منخفضة التكاليف التي تحصل عليها البنوك؟

Email