أوباما سئم الانتظار

ت + ت - الحجم الطبيعي

أخيراً ضاق الرئيس الأميركي باراك أوباما ذرعاً بما يسميه، على نحو صحيح، "الكونغرس المختل بشكل متزايد". وفي الآونة الأخيرة، بدأ باستغلال سلطته لإصدار أوامر تنفيذية، لدفع إصلاحات أميركا في أمس الحاجة إليها.. "حين لا يتصرفون، أنا سأتصرف".

هكذا بادر أوباما بإصدار أوامر من شأنها أن تساعد ما يقدر بـ1,6 مليون طالب جامعي على سداد قروضهم الطلابية، وأن تعين ما يقدر بمليون صاحب منزل على إعادة التفاوض بشأن رهونهم العقارية، وأن تساعد الألوف من قدامى المحاربين على إيجاد عمل، وأنشأ مركزا إلكترونياً لمساعدة الشركات الصغيرة التي تبحث عن أسواق للتصدير.

ومنذ أيام قليلة، أصدر أمرا تنفيذيا بهدف مساعدة كبار السن الذين يتناولون أدوية تصرف بوصفة طبية، وتعاني من نقص في المخزون، داعيا إدارة الغذاء والدواء الاتحادية لتكثيف الرقابة والتحرك بسرعة أكبر، لتعديل الإنتاج عند الحاجة، ومستخدماً وزارة العدل لاتخاذ إجراءات صارمة ضد تواطؤ الشركات أو تحديد الأسعار.

ومن خلال إصدار أوامر تنفيذية، فإن الرئيس أوباما ينتقل إلى خط الهجوم، بدلا من الانتظار إلى أن يتحرك الكونغرس. وعندما يرفض الكونغرس الجمهوري مرارا وتكرارا العمل وفقاً لمبادرات الرئيس، فإن جل ما يراه الشعب هو حكومة لا تعمل.

فالشعب، كما قال أوباما: "ليس لديه متسع من الوقت أو الصبر للهراء الذي يجري في واشنطن". وقد درجت العادة على أن يلقى اللوم على كلا الجانبين، وبالتالي فإن استراتيجية العرقلة تؤتي ثمارها. فقد حصل المؤتمر على مستويات تأييد شعبي أدنى من أي وقت مضى، ولكن تأييد الرئيس أوباما انخفض كذلك. وإذا كان هدف الكونغرس الأسمى هو ضمان أن يكون أوباما رئيساً لفترة رئاسية واحدة، وهو ما صرح به زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، فإن ذلك يجعل عرقلة الإصلاحات المطلوبة أمراً منطقياً على نحو منحرف، حتى لو كان ذلك يضمن عمليا لأميركا اقتصاداً راكداً وبطالة جماعية وتدنياً للأجور.

ولكن من خلال التحرك، فإن أوباما يكف عن ضرب رأسه بالجدار. وعوضاً عن ذلك، فهو يظهر ما يناضل من أجله، وأين هي أولوياته، ويكشف عما يحجبه ذلك الجدار الحزبي في الكونغرس. وينتقل إلى خط الهجوم، وهو ما يشعر الجمهوريين بعدم الارتياح، كما تبين عندما اشتكى النائب الجمهوري بول رايان، رئيس لجنة الميزانية في مجلس النواب، من ممارسة الرئيس لـ"سياسة الانقسام". ويشبه هذا قيام اللص باتهام قائد الشرطة بالتسبب في الجريمة، من خلال نشره رجال الشرطة في الشوارع!

ويعود الحكم بموجب أمر تنفيذي إلى عهد الرئيس الأميركي الأسبق جورج واشنطن، الذي أصدر الأمر الأول في عام 1789. وقد لجأ الرؤساء الأميركيون السابقون إلى استخدام أوامر تنفيذية، دون تصرف الكونغرس، لمجموعة واسعة من الإجراءات، سواء كانت أفضل أو أسوأ. فقد استخدم تيدي روزفلت، الذي كان جمهورياً، الأوامر التنفيذية للحفاظ على 130 مليون فدان من البرية الطبيعية، وإنشاء خمس حدائق وطنية نستمتع بزيارتها حتى يومنا هذا. واستخدم أبراهام لنكولن أمراً تنفيذياً لتعليق حق المثول أمام القضاء، خلال الحرب الأهلية.

ونفذ جيرالد فورد، الذي كان جمهورياً أيضاً، إجراءً تنفيذياً للعفو عن ريتشارد نيكسون. أما فرانكلين روزفلت فقد أصدر، على نحو غير مستغرب، ما يقرب من 4000 أمر تنفيذي، أثناء حربه ضد الكساد العظيم والحرب العالمية الثانية. واستخدم هاري ترومان أوامر تنفيذية لإلغاء التمييز في الجيش.

ومن بين جميع الرؤساء الذين خلفوا جورج واشنطن، كان أوباما الأقل إصداراً للأوامر التنفيذية، مع أن الدستور يسمح للرئيس بحماية مصالح الأمة من كونغرس في حالة تمرد.

وقد أثبت قادة حزب المعارضة، أن أولويتهم لا تتمثل في فرص العمل، ولا الصحة العامة للجميع، ولا وقف حبس الرهن، ولا وقف القروض الطلابية المرهقة، وإنما في إيقاف الرئيس فحسب. وعندما يفضل الكونغرس المجازفة بإغراق سفينة الدولة لمجرد إيقاف القبطان، فإنه يتعين على قبطان السفينة أن يتصرف لمواجهة التمرد من أجل إنقاذنا جميعاً.

إن الأوامر تسمح للرئيس بأخذ زمام المبادرة، ولكن هناك حدودا صارمة، إذ لا يمكن للرئيس تخصيص الأموال بموجب أمر تنفيذي. ويمكن أن يتم إلغاء أي أمر يصدره، من قبل الكونغرس أو المحاكم أو من خلال أمر تنفيذي لاحق. ولا تستطيع أوامر أوباما أن تتخذ الخطوات التي نحتاجها للتخفيف من حدة أزمة الرهن العقاري، أو لقطع الطريق على كارثة القروض الطلابية المقبلة، وهو لا يستطيع بمفرده أن يساعد الأميركيين على إيجاد عمل. ففي نهاية اليوم، نحن ما زلنا بحاجة لأن يتحرك الكونغرس، من أجل إيجاد فرص عمل ودفع عجلة الاقتصاد الأميركي.

ولكن جمهوريي مجلس الشيوخ لجأوا إلى سياسة المماطلة، من أجل عرقلة حتى مجرد مناقشة خطة الوظائف التي اقترحها الرئيس أوباما (بمناسبة الحديث عن سياسة الانقسام الحزبي). وفي ظل اقتصاد راكد، عمدوا إلى تعطيل إجراءات تهدف إلى تمديد خفض ضريبة الرواتب والتأمين ضد البطالة، وإلى إبقاء المعلمين ورجال الشرطة في وظائفهم. ومن شأن إنهاء تلك البرامج أن يكلفنا فقد فرص عمل، ومن الممكن جداً أن يعود بالاقتصاد الأميركي المترنح إلى الركود.

لذا، فإن الرئيس الأميركي باراك أوباما، لا يملك إلا أن يواصل الدفع، ويفعل ما في وسعه بمفرده، ويستمر في حث الكونغرس على التحرك. وفي النهاية، الأمر الوحيد الذي سيجبر الجمهوريين على التخلي عن استراتيجيتهم الحالية المدمرة، هو الرفض العام.

 

Email