عودة هجمات «الكردستاني» في تركيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

عاود حزب العمال الكردستاني هجماته على قوات الأمن التركية، حيث ذكرت أنباء واردة من تركيا بأن حوالي 24 جندياً تركياً قتلوا في هجمات شنها مسلحون أكراد الأسبوع الماضي على مواقع تابعة للجيش والشرطة جنوب شرقي البلاد. وهو الأمر الذي دفع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى إلغاء زيارة كان من المقرر أن يقوم بها إلى كازاخستان.

وأعلنت مصادر أمنية تركية أن رتلًا من الدبابات والمدرعات دخل الأراضي العراقية بالقرب من المعبر الحدودي بين تركيا وإقليم كردستان العراق في إطار عملية عسكرية يشنها الجيش التركي لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني. واتجهت هذه القوات إلى منطقة حفتانين الواقعة قرب بلدة زاخو الكردية على بعد 20 كيلومتراً من الحدود التركية العراقية. وأوضحت المصادر أن حزب العمال الكردستاني قد تكون له ستة معسكرات كبيرة إضافة إلى مركز قيادة ووحدات لوجستية ومخزن ذخيرة في منطقة حفتانين فيما يقدر عدد مسلحي الحزب في المنطقة بحوالي 400. وقد أعلن الجيش التركي أن قواته قتلت في يومين فقط 49 مسلحاً من مسلحي الحزب رداً على الهجمات التي نفذها الحزب.

عودة هجمات الكردستاني بعد توقفها، تطرح العديد من التساؤلات. ذلك أن هناك تحليلات ترى أنها بمثابة شنّ هجوم مضادّ على تركيا من قبل سوريا، بهدف الإفلات قليلاً من ضغوط حكومة رجب طيب أردوغان، الراهنة أو تلك التي يُحتمل أن تتعاظم في المستقبل القريب؛ وذلك عن طريق استخدام الورقة الوحيدة التي لا تزال متاحة لدى سوريا، حتى إذا كانت محدودة النطاق والتأثير، ومحفوفة بالمخاطر البالغة: تحريك حرب بالوكالة، عن طريق حزب العمال الكردستاني. ويبرهن أصحاب هذا الرأي بالتصريح الذي أطلقه أردوغان، تعليقاً على العملية العسكرية التي شنّها الحزب، واعتبر فيه أنّ حزب العمال الكردستاني أصبح أداة بيد قوى خارجية تسعى لضرب الأمن والاستقرار في تركيا.

وبالطبع هناك رؤى أخرى ترى أن الكردستاني استغل حالة الفوضى على الحدود التركية، وانشغال الأمن التركي بتأمين الحدود مع سوريا، بسبب تداعيات الأحداث الداخلية في سوريا على هذه الحدود، وقام بتوجيه ضربة للأمن على الحدود بين تركيا والعراق. وكان رهان الكردستاني يقوم على أن السلطة العراقية لن تسمح لتركيا بمتابعة عناصر الحزب داخل الأراضي العراقية. ولكن هذا الرهان يتناسى، أن هناك اتفاقيات وتفاهمات بين تركيا والعراق على هذه الملاحقة.

وبغض النظر عن الحكومات التي تبنت هذه الاتفاقات فهي مازالت سارية، حتى في ظل تغير الحكومات في العراق، ويبدو أن هناك رعاية أميركية لهذا حتى الوقت الراهن. وينسى حزب العمال الكردستاني ينسى أن القيادات الكردية في شمال العراق تعهدت أكثر من مرة للحكومة التركية بعدم استغلال منطقة شمال العراق لشن هجمات على تركيا.

الواقع أن الحكومة التركية بدأت في اتخاذ خطوات تحقق المطالب الثقافية والسياسية للأكراد، وهو الأمر الذي أدى إلى تهميش حزب العمال الكردستاني، خاصة مع تنامي تيار داخل الأكراد يرى ضرورة الحوار مع الحكومة من أجل تحقيق هذه المطالب.

وهذا التهميش قد يكون هو الذي دفع الحزب إلى القيام بالهجمات الأخيرة من أجل تأكيد انه مازال رقماً صعباً في المعادلة التركية، كل ذلك مع عدم تجاهل إمكانية وجود دعم سوري للحزب. فتركيا ظلت على الدوام تتهم سوريا بأنها هي التي تدعم «الكردستاني».

ووصل الأمر بين البلدين إلى حد المواجهة العسكرية لولا تدخل قوى إقليمية ودولية على رأسها مصر من أجل تهدئة الوضع بين الطرفين، كان من نتائجه تعهدات سورية محددة بعدم تقديم أي دعم مادي أو لوجستي للكردستاني. ويبدو ان موقف تركيا من الأحداث السورية والنقد القوي الذي قدمه مسؤولون أتراك لأسلوب تعاطي سوريا مع انتفاضتها الشعبية، جعل سوريا تلمح إلى أنها أصبحت في حل من الاتفاقيات التي تم التوصل لها مع تركيا حول الكردستاني.

ويبدو أن حزب العمال الكردستاني يدرك أن الاستقرار الذي رسخته حكومة حزب العدالة والتنمية، سيدفع به إلى خارج العملية السياسية، وهو الأمر الذي دفعه للعودة مرة أخرى إلى العنف. وهذا الطرح يؤكد أن الكردستاني له نفس المصلحة التي كانت لدى قادة القوات المسلحة المتطرفين الذين كانوا يرفضوا أي اطروحات تقدم لحل المسألة الكردية في تركيا. وقد استطاعت الحكومة عبر آليات مختلفة أن تهمش هذا التيار داخل المؤسسة العسكرية، وكانت في طريقها إلى التهميش الكامل لحزب العمال الكردستاني، ولكن جاءت الهجمات الأخيرة لتعيد خلط الأوراق مرة أخرى.

والهجمات التي قام بها الكردستاني مؤخراً، على عكس ما يتوقع المراقبون من أنها ستعيد المسألة الكردية التركية إلى المربع رقم واحد، ستضع المسألة على أولوية اهتمامات الحكومة التركية، وهو الأمر الذي لا يمكن بأي حال اعتباره لصالح حزب العمال الكردستاني ولا في صالح النظام السوري لو كان هو الذي يقف وراء قرار الحزب بالعودة مرة أخرى إلى العنف.

فعودة الكردستاني إلى العنف لا تعيد خلط الأوراق الداخلية في تركيا فحسب، ولكنها تعيد خلط الأوراق الإقليمية كلها. وينسى الحزب وهو يخلط الأوراق ان تركيا من ابرز اللاعبين في المنطقة والأوراق التي لديها إقليمياً متعددة ورئيسية، فضلًا عن أن الوضع الداخلي التركي في أعقاب تجديد ثقة الناخبين بحكومة العدالة والتنمية ليس في صالح الكردستاني في كل الأحوال.

Email