الفرنسيون في مواجهة الأسئلة الكبرى

ت + ت - الحجم الطبيعي

صباح الخير من باريس! إن وجودي في فرنسا في هذه اللحظة هو أمر رائع بشكل خاص. فعبر الطيف السياسي، يعمد الفرنسيون إلى طرح الأسئلة الكبيرة، التي تتعلق بالاتحاد الأوروبي والطبقة والهجرة والعرق ومسؤولية الحكومة تجاه شعبها ومسؤولية الشعب تجاه دولته ومعنى أن يكون المرء فرنسيا، ومعنى أن يكون أوروبيا.

وقد أجريت أخيراً ولأول مرة انتخابات أولية على الطراز الأميركي للحزب الاشتراكي الفرنسي. وفي الوقت الراهن على الأقل، يسود اعتقاد واسع بأن الاشتراكيين أمامهم فرصة كبيرة لإخراج الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من سدة الرئاسة في انتخابات العام المقبل. هذا الاعتقاد وحقيقة أن الاشتراكيين لم يفوزوا بالرئاسة منذ عام 1988، أعطيا الانتخابات الأولية أهمية خاصة.

وقد أسس هذا التحول إلى الانتخابات الأولية على فكرة أن ذلك من شأنه أن يقود إلى مرشح ذي جاذبية أوسع نطاقاً لخوض غمار الانتخابات العامة. ولكن على الرغم من أن الانتخابات كانت على الطراز الأميركي، فقد كانت عناصرها الأخرى فرنسية تماماً.

وقد فاز فيها فرانسوا هولاند، زعيم الحزب السابق. ولكن لأنه حصل على أقل من 50 في المئة، فإنه سيواجه جولة إعادة ضد مارتين أوبري. وقد شغلت المركز الرابع سيجولين رويال، وهي المرشحة التي خسرت أمام ساركوزي في عام 2007. كما أنها زوجة هولاند السابقة وأم لأطفاله الأربعة. وقد انفصل الزوجان في عام 2007، بعد أن أقام هولاند علاقة مع إحدى الصحافيات، إلا أنهما قررا أن يتصرفا بطريقة ناضجة ويبقيا صديقين. آه من الاشتراكيين! («عزيزتي، دعينا لا نتعارك أمام الحزب»).

وهناك أيضا ملحمة ما يمكن تسميته «ليمان براذرز» الفرنسي، وهو العملاق المصرفي المضطرب المسمى «دكسيا»، والذي قررت فرنسا والمانيا إنقاذه منذ فترة وجيزة. ويبدو أن التعرض للسندات اليونانية، وليس اليونانيين، هو ما تسبب في سقوط ذلك البنك.

ومن المثير كذلك أن نراقب كيف تضع فرنسا، وهي دولة ذات شخصية اجتماعية فريدة على نحو جريء، بصمتها على وسائل الاعلام الاجتماعية. ووفقا لمقال نشرته صحيفة «لوموند» أخيراً، فإن استخدام موقع «تويتر» لتدريس الصحافة والكتابة الجيدة آخذ في الانتشار في فرنسا. وقد بدأ أحد المدرسين، ويدعى جان روش ماسون، بتوظيف «تويتر» لذلك الغرض في عام 2010 تحت شعار «سنكون صحافيين لحياتنا الخاصة».

 هل هناك ما هو أفضل من ذلك ليكون شعاراً للصحافة في عصر وسائل الاعلام الاجتماعية؟ وكما أشارت مدرّسة أخرى، هي ستيفاني دي فنساي، فإن «تويتر» قد يجعل الطلاب يدركون أن الكتابة تقوم، في نهاية المطاف، على أساس التواصل. حيث قالت: «إن كتابة مجرد سطر لا يحمل معنى حقيقياً، ولكن كتابته لشخص ما يحمل ذلك المعنى».

وهناك قصص «ستكون هناك دائماً فرنسا» التي يحب الناس مشاركتها. ومنها قصة القرار الذي صدر في الصيف الماضي ليحظر نطق كلمتي «تويتر» و«فيسبوك» على التلفاز والراديو ما لم تكونا جزءاً من خبر ما. واستند القرار إلى مرسوم صدر في عام 1992، ونص على أن ذكر علامات تجارية كهذه يشكل نوعاً من الترويج غير المنصف. لذا، فمن المحتمل أن نسمع بعض العبارات الرائعة في البرامج التلفزيونية الفرنسية، ومنها «مرحباً، هل ستختارني لأكون جزءاً من دائرتك الاجتماعية في أحد المواقع الإلكترونية الاجتماعية الشهيرة، لو كان كلانا، في الحقيقة، عضواً في ذلك الموقع، في حال تم ابتكار موقع من ذلك النوع؟».

وما يعد أكثر فرنسية هو الحظر، أو على الأقل القيد، الذي فرض على وضع الصلصة على البطاطس المقلية، أو على أي شيء آخر، في المدارس الفرنسية. وليس الغرض من ذلك القانون الحفاظ على الصحة، وإنما التثقيف، حول تاريخ الطبخ الفرنسي ومعاييره. ويجري حالياً تقديم خبز الباغيت، جنبا إلى جنب مع الضجر، بلا حدود.

وأحد الأشياء التي أتمنى أن أراها تتلاشى هو التمييز، الذي لا تزال وسائل الإعلام الفرنسية تتمسك به بشدة، بين الصحافة الالكترونية والصحافة المطبوعة. ففي الولايات المتحدة، يتآكل هذا التمييز بسرعة كبيرة، نظراً لاعتماد المنافذ التقليدية على أدوات الصحافيين الرقميين، بما في ذلك السرعة والشفافية والمشاركة الاجتماعية، وتبني وسائل الإعلام الجديدة أفضل ممارسات الصحافة التقليدية، بما في ذلك التحقق والدقة والإنصاف.

ولكن في فرنسا، لا تزال المدونات والصحافيين على الانترنت من الدرجة الثانية. فعلى سبيل المثال، في العام الماضي أوردت صحيفة «لو جورنال دو ديمانش» شائعات تقول إن كلاً من الرئيس ساركوزي وزوجته كارلا بروني ساركوزي كان مرتبطاً بعلاقة خارج إطار الزواج. ولكن التقرير لم ينشر إلا على موقع الصحيفة، كما لو كانت معايير الدقة على الانترنت تختلف عنها في الصحيفة المطبوعة، وقد كان موقع الصحيفة مناسباً ببساطة للشائعات والتكهنات (وقد أطلق عليه ستيفن إيرلانجر مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» «شخصية طرطوف في عصر تويتر»).

هناك تمييز آخر أود أن أراه يزول، وهو التمييز بين اليمين واليسار. وينبغي أن يكون هذا مثيراً للاهتمام على نحو خاص، بالنظر إلى أن فرنسا هي المكان الذي أعطيت فيه تلك المصطلحات معانيها السياسية. وتعود التسميات إلى الثورة الفرنسية، التي جلس فيها انصار الملك على الجانب الأيمن للرئيس في الجمعية الوطنية، فيما جلس المعارضون على الجانب الأيسر. إننا نميل إلى الاعتقاد بأن هناك معنى عظيماً وراء بعض الطرق التي نحدد أنفسنا من خلالها.

ولكن وفقاً لما يظهره تاريخ اليمين مقابل اليسار، فإن طريقة التحديد غالبا ما تكون اعتباطية، وهو أمر عظيم بالنسبة لنا، نظراً لأننا نتوق لتخطي التصنيف المتواصل لكل قضية على أنها قضية يسار مقابل يمين. وفي بعض الأحيان، يكون مصطلح اليمين مقابل اليسار مجرد خريطة للجلوس.

مؤسسة ورئيسة تحرير صحيفة «هافنغتون بوست» الأميركية

Email