أميركا وحركة «احتلوا وول ستريت»

ت + ت - الحجم الطبيعي

وصلت احتجاجات "احتلوا وول ستريت" إلى حوالي 800 مدينة، وهي تنتشر كالنار في الهشيم، ومن المرجح أن يتصاعد هذا الاتجاه. ويبذل المحافظون قصارى جهدهم للمسارعة في الوقوف في صف الطبقة العليا، التي تشكل 1%، ضد بقية الأميركيين. وقد شجب اريك كانتور، زعيم الأغلبية في مجلس النواب، "الغوغاء" و"تحريض الأميركيين ضد الأميركيين"، فيما أدان هيرمان كين المتظاهرين ووصفهم بـ"المعادين للولايات المتحدة". أما ميت رومني، فاتهمهم بشن "حرب طبقية". ولكن الحرب الطبقية هي السبب في أن احتجاجات "احتلوا وول ستريت"، لمست وتراً حساساً بهذه الطريقة. وقد خلص وارن بافيت، وهو أحد أغنى رجال أميركا، إلى أن هناك حرباً طبقية بالتأكيد، وقال: "طبقتي هي التي ستنتصر".

منذ مدة قصيرة، وقبيل سفري إلى أوروبا، انضممت إلى "جناح " شيكاغو لحركة "احتلوا وول ستريت". فتحدثت مع الطلاب الذين تسربوا من المدرسة لعجزهم عن تحمل نفقات التعليم، والذين لم يبق أمامهم الآن سوى القروض الطلابية المضمونة. ويتخرج الطلاب الأميركيون مع متوسط ديون قروض طلابية يتجاوز 20 ألف دولار، وقد مرر لوبي المصرفيين قانوناً يفرض تسديد تلك الديون، حتى بعد الإفلاس. والآن، يتخرج الطلاب من الجامعة مثقلين بالديون وبلا وظيفة، فهل من العجيب أنهم يحتجون؟

تعد هذه الاحتجاجات لائحة اتهام واضحة لاقتصاد يعمل لصالح الأقلية، وليس الأكثرية. وفي الوقت الحالي، يحقق أغنى 1% من الأميركيين دخلاً يضاهي إجمالي الدخول التي يحققها الـ60% الذين يشكلون الطبقة الدنيا. ويسيطرون على ثروة تعادل مدخرات 90% من أفراد تلك الطبقة. ومع تلك الثروة، تأتي السلطة السياسية، فهي تمكنهم من تحمل تكاليف الحملات الانتخابية وجماعات الضغط باهظة الثمن، اللازمة للتلاعب بالقواعد في واشنطن. وهم لديهم طريقتهم الخاصة.

والنتائج غير معقولة، إذ يعمد أصحاب المليارات المشاركين في صناديق التحوط، إلى استخدام خدعة "الفائدة المنقولة"، التي تمكنهم من دفع معدل ضريبة أقل من ذلك الذي يدفعه المعلمون.

ويملأ مصرفيو وول ستريت جيوبهم بملايين الدولارات في صورة مكافآت، مما يؤدي إلى تضخم فقاعة الإسكان، والذي سيكون مصحوباً، كما حذر مكتب التحقيقات الفيدرالي، بـ"انتشار وباء الاحتيال". وعندما تنفجر الفقاعة، يتم إنقاذهم ويعودون لدفع ملايين الدولارات من المكافآت لأنفسهم، ويرفعون الرسوم المفروضة على بطاقات الائتمان والحسابات المصرفية. وفيما يتم إنقاذ البنوك، يبقى 25 مليون شخص في حاجة إلى عمل بدوام كامل.

وبالمثل، لا يحصل أصحاب المنازل على العون. فعندما يتم تسريح العمال، ويعجزون عن مواصلة دفع أقساط الرهن العقاري، يحرمون من منازلهم. وعندما تتردى أسعار منازلهم وتكون قيمتها أقل من قيمة الرهن العقاري، لا ترد البنوك على مكالماتهم الهاتفية، ولا يكون بمقدورهم إعادة التمويل من أجل الحصول على بعض العون عبر أسعار فائدة أقل.

والقرار المشين الذي أصدرته عصابة القضاة المحافظين الخمسة في المحكمة العليا بشأن منظمة "مواطنون متحدون"، يزيد من الإهانة. فقد أعلنت العصابة أن الشركات عبارة عن أشخاص لديهم الحق في حرية التعبير، كأي مواطن أميركي. وبما أنهم يعتقدون أن المال هو الكلام، فهم يفتحون الباب على مصراعيه أمام الشركات لشراء انتخاباتنا.

إن انتشار الحركات الاحتجاجية لا يعود إلى تفاصيل أجندتها، ولكن إلى حقيقة احتجاجها، إذ يحتج أعضاء حركة "احتلوا وول ستريت" على الانتهاكات التي يراها جميعنا. ويعد احتجاجهم أكثر شرعية من أن يتم تجاهله، وأكثر إلحاحاً من أن يتم قمعه. ولقد شاركنا في مسيرات واحتجاجات مع أصحاب المنازل الذين يواجهون خطر حبس الرهن، واحتشدنا بدافع الضمير في اجتماعات حاملي الأسهم السنوية لشركات عدة، ومنها "غولدمان ساكس"، و"جي بي مورغان تشيس"، و"بنك أوف أميركا"، حيث شجبنا سياساتها وممارساتها التي أدت إلى الأزمة الاقتصادية العالمية.

ومن شأن هذه الاحتجاجات أن تنتشر، فقد بدأ عدد المشاركين فيها بالازدياد، وذلك بسبب الحاجة إلى الشعور بالأمن الاقتصادي، إذ تسيطر الأقلية على أكثر من اللازم، في حين تترك الأكثرية خارج المعادلة الاقتصادية. وخلال الفترة المقبلة، سيثير اتحاد العمال الأمريكي ومؤتمر المنظمات الصناعية احتجاجات تطالب بـ"وظائف، وليس تخفيضات"، في جميع أنحاء البلاد. وتخطط مجموعة واسعة من الجماعات تحت راية "حركة الحلم الأميركي"، لأكبر احتشادات منذ الحركة الجماهيرية التي عارضت الحرب على العراق. وستواجه احتجاجات المواطنين معارضة متزايدة، فسيحاول المسؤولون المحليون كبحها، وستعمد فوكس نيوز والإذاعات المحافظة إلى الإساءة إليها وانتقادها، في حين سيعبر السياسيون عن استيائهم.

عما قريب، سنحتفل بالنصب التذكاري الخاص بالدكتور مارتن لوثر كينغ في واشنطن، ولكن في مرحلة بناء حركة الحقوق المدنية، كان الدكتور كينغ يُشتم بوصفه محرضاً خارجياً، ويُقذف بوصفه "شيوعياً". وفي تلك الفترة، تنصت مكتب التحقيقات الفيدرالي على محادثاته، وحاول دفعه إلى الانتحار. وتعرض المتظاهرون، الذين كانوا بعيدين كل البعد عن العنف، للاعتقال والضرب والقتل. وعمد الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون، إلى وضع استراتيجية تقوم على أساس سياسة الطعم العرقي لتعزيز قوة الحزب الجمهوري في الجنوب.

إن الامتياز الراسخ لا يتخلى بسهولة عن امتيازاته، إذ تعبر حركة "احتلوا وول ستريت" عن أقوى المصالح. وكما كتب فيكتور هوغو "ليس هناك ما هو أقوى من فكرة آن أوانها". وكما قال الدكتور كينغ: "لا تـنم خلال الثورة"، فقد حان الوقت لاتخاذ موقف.

 

Email