الاستيطان اليهودي والإرادة الدولية

ت + ت - الحجم الطبيعي

الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، أحد أكثر أنواع السياسة الإسرائيلية تطرفاً وإرهاباً في حق الوطن والإنسان الفلسطيني. بدأ بُعيد عدوان حزيران/ يونيو 1967؛ عمل يتحدى القانون الدولي العام. يقف عائقاً في وجه السلام، لأنه يحد من طموحات الفلسطينيين في إنشاء وطن مستقل، على ما تبقّى لهم من أرض فلسطين التاريخية، بعد قبولهم بـ"طبخة" أوسلو عام 1994.

الرأي العام العالمي يقف بنسبة تقترب كثيراً من 100%، ضد الاستيطان اليهودي العنصري. حتى في قلة الدول التي تساند إسرائيل، وفي المجتمع الإسرائيلي نفسه، هنالك معارضة واسعة لسياسة استيطان واستعمار أراضي الغير. فقط هنالك حفنة من البشر تساند الاستيطان، لسبب أو لآخر، أغلبه قادم من جرّاء التضليل الإعلامي، الذي يمارسه بعض الأبواق الدعائية المؤيدة للمستوطنين.

الأوضاع في المناطق الفلسطينية المحتلة تتفاقم بشكل دائم نحو الأسوأ، بفعل النشاط الاستيطاني، سيئ الذكر والسمعة. يتصرف اليهود هنالك كما لو كانوا هم السكان الأصل، والفلسطينيون ظاهرة طارئة عليهم ويجب التخلص منهم. يعتدون على الأرض والإنسان الفلسطيني، بشكل يذكر بنزعة المستوطنين الفرنسيين تجاه شعب الجزائر حتى منتصف القرن الماضي، حين كانت فرنسا تعتبر الجزائر الشطر الإفريقي منها!

الإجراءات العنصرية الإسرائيلية لا تستثني في طريقها لا الصغير ولا الكبير، لا الضعيف ولا القوى، لا المقاومين ولا المهادنين؛ هذه طبيعة النزعة العنصرية الاستعمارية الاستعلائية الهمجية للمستوطنين اليهود.

أكثر ما تخشاه إسرائيل، هو الخضوع لاستفتاء الأمم المتحدة بشأن قيام كيان فلسطيني حر مستقل. السبب هو يقظة الضمير العالمي، رغم ضعف تسليح أهله، ووقوفه ضد السياسة الاستيطانية الإسرائيلية. العالم بأكمله سيلجأ لتحكيم ضميره الإنساني، عند التصويت بشأن إجراءات فاشية عنصرية، تعتمد أيديولوجية التلمود التي تزدري الإنسان الآخر ووجوده وأملاكه. في ذلك تعتمد إسرائيل على عشرات المستعمرات اليهودية المسلحة، يدعمها أقوى جيش مسلح في المنطقة. جميعاً تمارس أعمالاً تحاكي خليطاً شرساً من أنشطة محاكم التفتيش، وحملات قوى الفاشية والنازية العنصرية.

آن الأوان، ومع الزمن أكثر من الوقت الذي يمضي، لكي يأتي العالم يداً واحدة وصوتاً واحداً، ليس فقط لوقف نمو وانتشار الاستيطان العنصري، بل للتخلص منه نهائياً. الطريق لذلك سهل وأخلاقي، ضروري لتلبية مطالب الضمير الحي، والمنطق الإنساني، والعدالة وتحقيق مبادئ حقوق الإنسان. عملياً يجب تنضيب روافد ودعائم الاستيطان، التي تتلخص في الدعم السياسي والمالي القادم من الخارج.

لا تحتاج الإدارة الأمريكية لأكثر من قرار سياسي مالي، متواضع، لوضع حد لظاهرة نشاز، تستعر منذ عقود ضد كافة حقوق الإنسان. قرار ينص على وقف وصول المال الداعم للاستيطان، أتى ويأتي في جله من جيوب دافعي الضرائب الأمريكيين.

إذا ما روقبت الأموال الداعمة للاستيطان، سوف يصبح المستوطنون في وضع لا يُحسدون عليه، بين عشية وضحاها. إما أن يرحلوا إلى إسرائيل أو إلى من حيث أتوا؛ أو عليهم مواجهة حال تمويلي وتمويني بائس، يشبه ما يواجهه الفلسطينيون المحاصرون على أيدي إسرائيل والمستوطنين. القرار بقطع الدعم المالي عن الاستيطان، خير من الاستمرار في وضع يستمر فيه الضمير الإنساني العالمي، في النزف الحاد إزاء تصرفات المستوطنين الوحشية.

في المقابل، يجب رفع القيود الصارمة المفروضة على مصادر تمويل الفلسطينيين، والسلطة التي تواجه أزمات مالية حادة متلاحقة. يجب وضع حد للإرهاب الموجه ضد الإنسان الفلسطيني، في بيته وما تبقّى من مزرعته ومتجره ومدرسته وجامعته ومعمله ومستشفاه.

على الضمير العالمي أن يعيد الحياة للنفس والروح والجسد الفلسطيني، الذي تحاول إسرائيل والمستوطنون انتزاع أنفاسه الأخيرة. ذلك ما يصب في مصلحة الإنسانية والحضارة والحياة، ومبدأ حق الشعوب في الحياة والحرية، بمن فيهم الشعب الإسرائيلي نفسه. ذلك ما يلغي من أذهان الفلسطينيين فكرة العودة إلى طريق الكفاح المسلح، الذي تنازلوا عنه سابقاً في سبيل اعتراف دولي بحقوقهم الأساسية المشروعة.

Email