الإسلاميون والربيع الديمقراطي

ت + ت - الحجم الطبيعي

إذا كانت معظم التحليلات ترى أن تنظيم القاعدة قد تأثر سلبا بالربيع الديمقراطي العربي، فإن هناك تيارات إسلامية أخرى من الجدير معرفة مدى تأثرها سلبا أم إيجابا بهذا الربيع. فالساحة العربية تعج بتيارات إسلامية منها ما هو مهموم بالسياسة، ومنها من يعتبرها كفرا بواحا. ولكن تطورات ما بعد سقوط الأنظمة العربية المستبدة تجعلنا نهتم بأربعة تيارات منها برزت على الساحة في أعقاب سقوط الأنظمة.

وأول هذه التنظيمات «الإخوان المسلمون»، بأي مسمى له، وخاصة في مصر، في مرحلة ما بعد سقوط الأنظمة، خفت نجم هذا التنظيم ولم يحظ بالزخم الذي كان عليه من قبل. فمن جهة ضعف تماسكه وبرزت داخله خلافات في الرأي أدت في بعض الأحيان إلى الانشقاق وتشكيل أحزاب متعددة تعبر عن فكر هذا التنظيم، وهو الأمر الذي اثر على صورة التنظيم لدى الرأي العام. يضاف إلى ذلك أن الإخوان المسلمين كانوا التيار الإسلامي الوحيد الذي يمارس السياسة خلال حكم الأنظمة المستبدة.

وكان المنتمون إلى التيارات الإسلامية جميعا عدا الصوفيين يؤيدونه. ولكن بعد سقوط الأنظمة دخلت تيارات عدة إلى الساحة السياسية، وبالتالي لم يعد كل الإسلاميين يؤيدون الإخوان، ولكن أصبحت هناك منافسة بين تيارات إسلامية عديدة. والخلاصة هي أن تنظيم الإخوان.

وان تأثر إيجابيا بالربيع العربي من خلال الاعتراف بشرعيته، وانتهاء الملاحقة الأمنية لعناصره، إلا انه تأثر سلبيا بما حدث داخله من انشقاقات، ووجود منافسة له من داخل التيار الإسلامي. وهذا الموقف الأخير دفع تيار الإخوان إلى التشدد والمزايدة على باقي التيارات الإسلامية الأخرى فبعد أن كان يمثل الاعتدال أخذ في الميل إلى التشدد والاقتراب من المواقف السلفية التقليدية.

أما التيار الثاني من تيارات الحركة الإسلامية الذي برز في ظل الربيع العربي، فهو التيار السلفي، وعلى الأخص تيار السلفية العلمية الذي لم يكن يهتم بالسياسة من الأساس ولكن بروزه يأتي لأنه يخشى أن تأتي عملية إعادة بناء النظم السياسية في مرحلة الربيع الديمقراطي لصالح علمنة الدولة وليس أسلمتها، وبالتالي فإن المتوقع أن يكون التدخل في العملية السياسة مؤقتا وليس دائما.

وهناك نقطتان جديرتان بالإشارة ونحن نتحدث عن السلفيين والربيع الديمقراطي العربي، الأولى هي أنهم نظرا لعدم خبرتهم السياسية الكافية، ارتكبوا أخطاء خاصة فيما يتعلق بخطابهم السياسي تجاه الآخر سواء الخارجي أم الآخر الداخلي وعلى الأخص الأقليات الدينية والقوى السياسية المدنية سواء الليبرالية أم اليسارية. وهذه الأخطاء أثرت سلبا على كافة عناصر التيار الإسلامي وليس السلفيين فقط.

أما النقطة الثانية الجديرة بالإشارة فهي أن دخول السلفيين إلى العمل السياسي واحتكاكهم بالقوى السياسية الأخرى، وبجماهير تختلف عن جماهيرهم الأصلية أدى بهم إلى الاعتدال إلى حد كبير على عكس ما حدث مع الأخوان المسلمين. وهذا الأمر يؤكد أن الربيع العربي وان كان يخشى عليه من هذه التيارات التي تسعى إلى تديين السياسة إلا انه في نفس الوقت أحدث تغييرا في منهجها ومفهومها، وهذا الأمر يعد إيجابيا في المجتمعات العربية بصفة عامة.

أما ثالث التيارات الإسلامية فهو تيار ما يطلق عليه السلفية الجهادية، وهو ينقسم إلى قسمين الأول وهو القاعدة والتيارات المرتبطة بها والتي ما زالت تلتزم بالعنف كوسيلة لتغيير المجتمع، وهذه التيارات تأثرت سلبا حسبما يجمع معظم المحللين. أما القسم الثاني فهو يتعلق بالفصائل والعناصر التي أجرت مراجعات فكرية ونبذت العنف.

وهذه العناصر والفصائل بدأت تدخل إلى العمل السياسي لكنها تدخل مستقلة عن باقي تيارات العمل الإسلامي، وما يجري على التيارات السلفية يجري على تيار المراجعات الفكرية، من حيث الاقتراب من الاعتدال، ولكن هناك مؤشرات على أن هذه العناصر ستكون اقرب إلى تيار الأخوان منها إلى التيارات السلفية، لأنها لديها خبرة في العمل السياسي وليست مبتدئة مثل السلفيين.

أما التيار الرابع فهو التيار الصوفي، وهو تيار لم يكن أبناؤه يمارسون العمل السياسي باعتبارهم منتمين له وإنما كان العمل السياسي منفصلا تماما عن العمل الديني، وجاء انخراطهم في العمل السياسي كرد فعل على دخول السلفيين والجهاديين إلى العمل السياسي حيث إنهم بدأوا في استهداف الصوفيين وبعض أفكارهم.

ولم يجد هؤلاء بدا من الانخراط في العمل السياسي حتى يدافعوا عن أنفسهم، خاصة وانه كانت هناك اتهامات للصوفيين بالكفر. والملاحظ أن القوى غير الإسلامية هي التي دفعت الصوفيين للانخراط في العملية السياسة لأنها رأت أن الأعداد الغفيرة لهم يمكن أن تحدث توازنا في مواجهة باقي التيارات الدينية الأخرى. وفي كل الأحوال فإن المجتمعات بهذا التنافس بين التيارات الأربعة تشهد تجربة سياسة لا نعرف الآن كيف ستتطور في المستقبل.

Email