الفقر والحلم الأميركي

ت + ت - الحجم الطبيعي

ينتشر الفقر في أميركا، والإحصاءات تثير الدهشة، حيث يعيش نحو 46 مليون أميركي في ظل الفقر، أي ما يعادل واحداً من كل سبعة أميركيين، وهو رقم قياسي. ويصل عدد الأشخاص الذين لا يملكون تأميناً صحياً، إلى قرابة 50 مليوناً. ويقل عدد الوظائف ذات الرواتب في الوقت الحالي، عما كان عليه في عام 2000. وقد انخفض دخل المنزل النموذجي نحو 7 في المئة منذ عام 2007، في حين ارتفع عدد العاملين الفقراء بشكل صارخ، نظراً لأن فرص العمل الجيدة يتم تصديرها للخارج. وتبلغ نسبة الوظائف ذات الدخل المنخفض في الولايات المتحدة، 40 في المئة.

وقد وصل الظلم إلى درجات قصوى جديدة. ووفقاً لغولدمان ساكس، فإن الطبقة الغنية في أميركا، والبالغة نسبتها 1%، حققت خلال العام الماضي مكاسب تضاهي دخول 60% من الطبقة الدنيا مجتمعة، وكانت ثروتها تضاهي مدخرات 90% من أفراد تلك الطبقة.

وعلى امتداد ما يزيد على ثلاثة عقود، وضعت الولايات المتحدة ثقتها في مبادئ معينة للسوق، تضمنت تخفيض الضرائب المفروضة على الطبقة العليا، ورفع القيود عن التمويل، والترويج لفوائد تجارة المعرفة من قبل الشركات، وذلك بدافع الاعتقاد بأن الأموال ستنساب من الطبقة الغنية إلى الفقيرة. ولكن الأموال تقف عند أكثر الطبقات علواً، ولا يتم تداولها.

 وقد نجم عن ذلك نوع من الكساد الوطني، وهو ليس مجرد ما شرع الاقتصاديون في تسميته «الكساد الأصغر»، ولكنه كساد في الروح والأمل، حيث يخبرنا المحافظون أننا بمفردنا. وتلقى الإجراءات العامة ازدراء واسعاً، وتقف واشنطن في طريق مسدود. وحتى برنامج الوظائف الذي تحتاج إليه البلاد بصورة ملحة، لم يتوقع له النجاح.

ويعكس هذا، في رأيي، ما يزيد على ثلاثة عقود من التشويه الحكومي المتواصل. وكما حاضرنا الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، فإن الحكومة هي المشكلة، وليست الحل. ومن ثم ساهم هو وخلفاؤه في جعل تلك العبارة الساخرة قريبة إلى الواقع، من خلال خفض الإنفاق والقدرات، وتجويع الوكالات التنظيمية، وفتح الباب على مصراعيه أمام سياسة المشاريع التجارية الضخمة، وممارسة الضغوط من قبل الشركات.

دعونا نستحضر المرة الأخيرة التي تحركنا فيها بالفعل للحد من الفقر، من خلال مبادرات «المجتمع العظيم» و«الحرب على الفقر» التي أطلقها الرئيس الأميركي الأسبق ليندون جونسون. لقد تم تعليم الغالبية من الناس أن الحرب على الفقر باءت بالفشل، ولكن تلك مجرد أكذوبة. ففي الواقع، من عام 1963، أي عندما تولى جونسون مقاليد الحكم، إلى عام 1970، أي بعد أن تم تطبيق برامج «المجتمع العظيم» التي أسسها، انخفضت نسبة الأميركيين القابعين تحت خط الفقر من 22% إلى 12%، وهو أعظم انخفاض في معدل الفقر على امتداد القرن الماضي.

لقد فعل جونسون ذلك عن طريق استدعاء الأمة إلى واجب أخلاقي، فسافر إلى جامعة أوهايو ليوضح رؤيته لـ«المجتمع العظيم»، وقال «التحدي الذي نواجهه، اليوم وليس غداً، هو تحقيق الأهداف التي عجز البشر عن إنجازها منذ الأزل.

ويتعين علينا أن نوفر العدالة على قدم المساواة لجميع مواطنينا، وأن نمحو الفقر البشري، وأن نقضي على الأمية بين جميع أبناء شعبنا. كما يجب أن ننهي التحيز والتعصب الأعمى، وقبل كل شيء، يجب أن نعمل على إحلال اليوم الذي لا ترفع فيه أمة سيفاً في وجه أمة أخرى، ولا يبقى للحرب وجود».

وقرن كلماته المدوية تلك، بأفعال عظيمة، حيث يعد برنامجا «ميدي كير» و«ميديك إيد» جزءاً من التراث الذي خلفه. وقد ساهم تعزيز برنامج الضمان الاجتماعي، وزيادة الحد الأدنى للأجور، في انتشال الملايين من براثن الفقر، في حين ساعد برنامج «هيد ستارت»، والبرامج الصيفية المخصصة للشباب، والكليات التي تؤمن لطلابها فرص عمل، إلى جانب الدراسة وبرامج المنح الدراسية، على تجنيد الشباب.

أما فيلق الوظائف، و«فيستا»، ووكالات العمل المجتمعي، و«أبوورد باوند»، فقد خفضت مستوى الفقر. وقللت كوبونات الغذاء وبرنامج الإفطار المدرسي، من الجوع إلى حد كبير. لقد كان جونسون رئيس تعليم عظيما، وأعظم مناصر للبيئة، وقد ساهم في إدراج الحقوق المدنية وحقوق التصويت في القانون.

كانت تلك حكومة متفائلة وناشطة، وبالتالي أحدثت فرقاً كبيراً. وتكللت الحرب على الفقر بالنصر في مناطق جبال أبالاتشيا الريفية، وفي مدن أميركا الحضرية، ولم تنته بالهزيمة إلا في أدغال فيتنام. كانت تلك مأساة جونسون ومأساتنا، فأصبح جيل بأسره يشك في حكومته. وجاءت الأفكار المحافظة والمشاريع التجارية الضخمة، لتهيمن على سياستنا.

والنتيجة هي أعداد قياسية من الأميركيين في فقر مدقع، وطبقة وسطى غارقة، وثروة متزايدة لشريحة صغيرة للغاية من الناس.

إننا بحاجة الى تغيير مسارنا. ينبغي ألا ننسى الانتصارات التي أحرزتها الحرب على الفقر. ينبغي أن نستعيد الحماس والشجاعة الأخلاقية، اللذين حركهما جونسون في يوم من الأيام في جيل شاب.

كان الدكتور لوثر كينغ يحلم بالحرية والعدالة، وكان ليندون جونسون يحلم بالمساواة. وقد أدرك جونسون أن الحرية من غير مساواة وعدالة، لا معنى لها. فأقر تشريعات وقوانين جديدة، ووفر التمويل اللازم ليحول حلمه إلى حقيقة. واليوم، ينبغي للديمقراطيين أن ينظروا إلى ليندون جونسون، رائد التغيير، باعتباره إطاراً مرجعياً لأمل سيعيش طويلاً في المستقبل.

إننا لم نخسر معركة خضناها، ولم ننتصر في معركة إلا عبر النضال. ونحن نملك القوة للقضاء على الفقر وسوء التغذية الآن، ذلك أمر يمكننا القيام به. وسيكون القضاء على الفقر في مصلحتنا، وسيعمل على تحصين شخصيتنا.

هذه أميركا، ولا يمكننا التخلي عن حلمها دون نضال.

 

 

Email