الإمارات.. الدولة المدنية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثبتت كل التجارب الإنسانية في المجتمعات المنفتحة، وغير المنغلقة على هويتها وثقافتها الخاصة، أن إدارة المجتمع طبقاً للأصول والمتطلبات المدنية هي صمّام الأمان، وهي التي تؤدي إلى أن يسير المجتمع سيراً ثابتاً لا اعوجاج فيه، إلى التقدُّم وإلى الأمام، وإلى تحقيق كل ما يصبو إليه المجتمع من النمو والازدهار في كل المجالات..، ومنها المجال الاقتصادي، والمجال الاجتماعي، والمجال السياسي، حيث بذلك تستقر الأمور ولا يتنازع الناس فيما بينهم إلا بطرق حضارية، فيها كل الاحترام للرأي والرأي الآخر..

ولا يجد المرء في هذه المجتمعات المدنية ما يضطر الناس للجوء إلى النزاعات المسلحة وإلى الترهيب، لفرض رأي أو مبدأ يختلف عليه الناس، وإذا حدث أن تنازعوا في أمر من الأمور، سرعان ما يردّونه إلى القانون وإلى المجالس التشريعية. فالاستقرار السياسي، الذي هو أهم عامل مؤثر في تطوير المجتمعات، مستتب في تلك المجتمعات المدنية سالفة الذكر، وسيظل مستتباً إلى ما شاء الله، وستظل هذه المجتمعات تسير من وضع حسن إلى وضع حسن متوالٍ، دون أن يقف في طريقها عائق من العوائق..

أما المجتمعات التي تخيّم في سمائها غيوم الأيدولوجيات، من قومية ودينية وطائفية، وما شابه ذلك من الفئوية، فإنها ستظل كما نشاهدها منذ أكثر من نصف قرن، وكما هي مستمرة حتى اليوم، أسيرة النزاعات العنيفة، التي أدّت وتؤدي إلى التصادم وإلى القمع وإلى القهرية..

ومن هنا، نعتقد بل نؤمن، أن الأمور لن تهدأ إلا بالرجوع إلى مدنية إدارة المجتمع، واتباع الأسلوب القائم على القانون وعلى الدستور المدني، الذي ينظم أحوال معيشة الناس في جميع أوجه الحياة.. ففي الإدارة المدنية يتساوى الناس في الحقوق والواجبات، ولا تفرّق الإدارة بين الناس بسبب انتماءاتهم الدينية والطائفية والقومية والعرقية، أو المكانة الوجاهية، أو لأي سبب آخر.. وفي كل الأحوال، فإننا لا نعني أن يتخلى الأفراد المكونون للمجتمع المدني عن معتقداتهم وثقافتهم، ولكن لا بد من الإيمان بأن تبقى هذه المعتقدات وهذه الثقافات ذاتية، وشخصية، ولا يُجبر الناس على القبول بها بطرق فرضية وإلزامية.

ومن الطبيعي أنه متى ما شعر الفرد في المجتمع بأنه متساوٍ مع الآخرين أو "حاله حال الناس"، كما في اللهجة الخليجية، فإن مشاكله وعقده النفسية تبدأ في التلاشي، وينقاد في نهاية الأمر إلى حبّ المجتمع، وبالتالي حبّ الأرض التي يعيش عليها، ثم القبول بإدارة المجتمع والقائمين على شؤونه، ويعمل على ثبات أمورها واستقرارها..

ولا بد لنا من الاعتراف، بل الإشادة، بأن إدارة الدولة في الإمارات تعمل بشكل ملموس منذ بدايات العقد الأخير، على الأخذ بأسباب الإدارة المدنية، ووضع التشريعات الملائمة لخلق المجتمع المدني وترسيخ مفهومه.. ومن الواجب على كل مواطن ومقيم ينزع إلى حب هذه الأرض، التي يعيش عليها، أن يشجّع الدولة على المضي في الاتجاه الخيِّر، اتجاه السير بالمجتمع المدني إلى النمو، ووضع لبنة تلو أخرى للرقي بالمجتمع، والمشي به إلى الديمقراطية وترسيخ العدالة الاجتماعية..

Email