كثيرا ما يتم الربط بين إعادة المؤسسات والشركات لهيكلتها وأعمالها، وبين تعرضها لأزمة مالية ولتعثر في مسيرة عملها، أي بمعنى أن إعادة الهيكلة أصبحت تهمة في نظر البعض، خصوصا في أوقات الأزمات، وهذا ما يفسر عزوف بعض القائمين على عدد من المؤسسات والشركات في الإمارات، عن إعادة الهيكلة والابتعاد عنها، رغم أنها في أمس الحاجة لاتخاذ هذه الخطوة، للمحافظة على كيانها واستمراريتها في عالم الأعمال.
وقد أثبتت التجارب الناجحة لعدد من حالات إعادة الهيكلة لمؤسسات وشركات في الدولة، أن هذه التخوفات ليس لها ما يبررها، بعد أن تنبهت هذه المؤسسات مبكرا لموضوع إعادة الهيكلة، مع بدء وأثناء الأزمة المالية، واستوعبت الدروس ونجحت في التكيف مع الأوضاع الاقتصادية الطارئة، واستطاعت المحافظة على إنجازاتها ومكتسباتها، بأقل الخسائر وبخطوات محسوبة. ومكنت إعادة الهيكلة كذلك هذه الشركات من التنبؤ بالتحديات المستقبلية المحتملة، وساعدتها على تحديد مواطن الضعف والقوة، وبذلك فإن إعادة الهيكلة بمجملها ليست إفلاسا أو مشكلة، بل يجب النظر إليها على أنها طريقة رشيدة للمؤسسة أو الشركة، لتعيد نهجها نحو الأفضل، بشكل يضعها في موقع تنافسي قوي في السوق، ويؤمن لها مستقبلا أكثر وضوحا.
وبكل تأكيد فإن من شأن هذه النجاحات أن تشكل عاملا وسببا في تحفيز المديرين التنفيذيين، المترددين في البدء بإجراء إعادة هيكلة لمؤسساتهم، والعبور بها إلى بر الأمان قبل فوت الأوان، مما يكون أشبه بعملية انتحار، وتكون المؤسسة أو الشركة هي الخاسر الأول والأخير نتيجة هذا التردد، لأنها بإعادة الهيكلة ستحتفظ بجزء من مدرائها وقواها العاملة، بدلا من أن تفقدهم جميعا، مما يترك أثرا سلبيا على الاقتصاد الوطني ككل.
ومما لا شك فيه أن موضوع إعادة هيكلة المؤسسات والشركات، يتمتع بأهمية كبيرة على المستوى العالمي والإقليمي والمحلي. وتعد عملية إعادة الهيكلة بمثابة تعديلات جذرية وهامة، من حيث الخدمات وإدخال الحلول التكنولوجية، وتطوير ثقافة العمل السائدة داخل المؤسسات. والهدف الأساسي من هذه العمليات هو زيادة معدلات الربحية، ورفع الكفاءة الإنتاجية للمؤسسة أو الشركة.
وتستهدف عمليات إعادة الهيكلة إجراء التصويب اللازم للهياكل الفنية والاقتصادية والمالية للمنشأة، على النحو الذي يمكن الشركة من البقاء في دنيا الأعمال والاستمرار فيه بقوة وتحقيق عائد مناسب، وبالتالي بلورة مستقبل واضح ومزدهر. ويجب قبل عملية هيكلة أي مؤسسة أو شركة، سواء حكومية أو خاصة، معرفة الأسباب التي دفعت إلى إعادة الهيكلة، ويمكن تلخيصها بالنقاط التالية:
أولا: أسباب متعلقة بكفاءة الإدارة وحسن تصرفها. ثانيا: أسباب متعلقة بالتدفقات النقدية الواردة والصادرة، ووجود عجز وعدم توازن بينهما. ثالثا: تآكل حقوق الملكية بسبب استمرار نزيف الخسائر. رابعا: زيادة في حجم الديون المتأخرة للدائنين. خامسا: مشكلات متعلقة بزيادة معدل دوران العمالة وكفاءتها. سادسا: أسباب متعلقة بمواجهة أحداث مستقبلية متوقعة، كعدم تناسب الموارد المالية مع التوسعات المستقبلية. سابعا: أسباب متعلقة بمستقبل القطاع الذي تعمل فيه.
ولا يشترط أن تكون خدمة الدين هي الغرض الرئيس دائما لإعادة هيكلة المؤسسة أو الشركة، وإنما الغرض هو تحسين الأداء التشغيلي أو استكشاف فرص استراتيجية، بسبب الإفرازات الناتجة عن تقلبات الأسواق، كالاستحواذات أو الاندماجات.
وتتم إعادة الهيكلة بأساليب متعددة، تبدأ بإعادة جدولة وإسقاط الديون، مرورا بتحويل المديونية إلى مساهمة في رأس المال، ومن ثم إعادة تقييم الأصول وتحصيل المستحقات لدى الغير، وتطوير مهارات المديرين، وأخيرا وليس آخرا الاستفادة من قوة العمل، بحيث يتم وضع البدائل المناسبة لتصويب هيكلة العمالة.
ومن الأهمية بمكان إعطاء الأولوية القصوى عند إعادة الهيكلة، للمجالات الاستراتيجية في المؤسسات تبعا للأولويات، مثل أن تشمل عمليات إعادة الهيكلة أهدافا محددة في المنشأة، وأن تصاغ وفق الأسس العلمية التي تكفل نجاح العملية بدقة وتميز، وبالتالي تمكين المؤسسات وتزويدها بأفضل الاستراتيجيات والأساليب التي تجعلها قادرة على تنفيذ عملية إعادة الهيكلة بشكل سليم ودقيق، مع مراعاة كافة الاحتياجات الخاصة، التي تتناسب مع اختصاص ونطاق ونشاط عمل كل مؤسسة وكل شركة.
وخلاصة القول أن العالم يشهد وبشكل مستمر، تطورات متلاحقة وسريعة في بيئة الأعمال، مما يتطلب من كل مؤسسة أن توجد لكيانها البنية المناسبة لاستيعاب عمليات التغيير، والابتكار للتواؤم مع هذه التطورات، بأساليب مغايرة للنهج التقليدي في طريقة وعمل الشركات، ولا تتلاءم مع التطورات التقنية المتسارعة. وبذلك تتوافر لدينا القيادة الفعالة التي تقود الشركة إلى التغيير الإيجابي المنشود، عبر وسائل ابتكارية وإدارة تنموية مستدامة، لزيادة الإنتاجية وجودة الأداء وسرعة الإنجاز.
وتعزز قدرتها التنافسية مع الشركات الأخرى في القطاعات المشابهة في السوق، لأن حجم وطبيعة التغيير الإيجابي في المؤسسة وقدرتها على النجاح والتنافسية، يعتمد وبشكل كبير على ما تملكه الإدارة العليا من رؤية واضحة لاحتياجات البيئة المتغيرة، واستشراف واعٍ للتغيرات المتوقعة في بيئة الأعمال، وما يشهده العالم من أزمات وتقلبات في المحيط العالمي، والذي يلقي بتأثيره على البيئة المحلية، وتهيئة الشركات لمواجهتها والتأقلم معها والاستفادة من معطياتها.