الإمارات في 77 يوماً

ت + ت - الحجم الطبيعي

سبعة وسبعون يوماً استثنائياً عاشتها دولة الإمارات العربية المتحدة من أقصاها إلى أقصاها، في أجواء انتخابية برلمانية، كان سيدها التنافس والتفاعل والإثارة الخلاقة.

 فمنذ العاشر من يوليو 2011 الذي أعلنت فيه اللجنة الوطنية للانتخابات عن قوائم الهيئات الانتخابية، لانتخابات المجلس الوطني الاتحادي 2011، إلى اليوم الرابع والعشرين من سبتمبر (المنصرم)، الذي انفض فيه السامر بتتويج الأعضاء الفائزين بعضوية "المجلس" الجديد.

حيث دبّ خلالها الحراك الديمقراطي في كيان المجتمع، وبات الإنسان الإماراتي في تفاعل وتحاور ونقاش حول الانتخابات، وعضوية المجلس الوطني، وأعضاء الهيئات الانتخابية والمرشحين، والبرامج والحملات الانتخابية، وصيغت في موازاته الأفكار ووجهات النظر والرأي والرأي الآخر، الأمر الذي أسهم في خلق ثقافة ديمقراطية فاعلة، ووعي وفكر سياسيين رفيعين لدى أبناء الشعب كافة، خاصة.

وأن أغلب الناخبين والمرشحين من الشباب الذين تفاعلوا مع الحدث بشدة، شهدت بها وسائل الإعلام المحلية والعالمية. إن هذا التفاعل المجتمعي مع العملية الانتخابية، يجسد رؤية قيادتنا الرشيدة التي تهدف إلى تمكين المواطن، وترسيخ مفهوم المشاركة السياسية والشراكة الوطنية والمجتمعية لدى أبناء الوطن، خاصة الشراكة بين القيادة والشعب. وذلك في سبيل تحقيق الهدف الأسمى، ألا وهو خدمة الوطن والارتقاء بالإنسان كونه محور العملية التنموية وهدفها.

وبغض النظر عما أسفرت عنه الانتخابات من نتائج، فإن من وجهة نظري أنه لا خاسر في هذه التجربة البرلمانية، أي "لم يرسب أحد"، حيث كان الفوز حليف كل الذين شاركوا في هذه العملية المباركة، سواء من جهة أعضاء "المجلس" الجدد الذين نالوا شرف العضوية عن طريق صناديق الاقتراع، أم من المرشحين الذين خاضوا غمار الانتخابات.

ولم يحالفهم التصويت، أو الناخبين الذين تحلوا بالروح الوطنية العالية، وشاركوا بفعالية في عرس الوطن، وصوتوا للذين توسموا فيهم الخير والكفاءة والقدرة على إيصال أصواتهم إلى أصحاب القرار، مستلهمين بذلك فحوى الخطاب الرسمي الذي دعا الناخبين إلى المشاركة الواسعة والفاعلة في انتخابات المجلس الوطني الاتحادي، أو من جهة كافة أفراد المجتمع، الذين تفاعلوا مع الحدث بشتى أنواع الوسائل المباشرة وغير المباشرة، فضلاً عن اللجنة الوطنية للانتخابات من جهة ثالثة.

والتي سجلت نجاحاً متميزاً، بعدما أبلت بلاءً حسناً في تنظيم العملية الانتخابية، حيث عملت بجدٍ وإخلاص لإنجاح هذه التجربة الديمقراطية الثانية، وهي بهذا العمل تستحق الشكر والثناء.. كما أن كل الشرائح آنفة الذكر مجتمعة، تستحق "الناموس".

لقد تكاملت العملية الانتخابية بكل مكوناتها، وأصبحت التجربة الديمقراطية الإماراتية في أبهى صورها، وهذا يستدعي العمل الجاد والمتقن من جميع الأطراف، فالمطلوب اليوم من أعضاء المجلس الوطني الجدد، أن يهيئوا أنفسهم تهيئةً كاملةً للعمل البرلماني الجديد.

والذي سيكون علامةً فارقةً في مسيرة "المجلس" عموما أو هكذا يؤمَل، إذ يتحتم على العضو الفائز أن يبدأ بوضع الخطط والبرامج التنفيذية، لتحقيق أهدافه الوطنية ووعوده الانتخابية التي قطعها على نفسه أثناء حملته الانتخابية، بكل أمانة وإخلاص، وبالتالي اضطلاعه بدور حيوي وفاعل خلال فترة السنوات الأربع التي سيقضيها تحت قبة البرلمان.

كما ينبغي عليه أن يتحسس قضايا الوطن وتطلعات المواطن ويطرحها خلال الجلسات البرلمانية، وأن يقدم الواجب الوطني على المصلحة الشخصية، فلا ينظر إلى الامتيازات أو المكانة الاجتماعية التي توفرها عضوية "المجلس"، بل يتوجب عليه العمل ثم العمل ثم العمل. فالناخب أو المواطن عموماً حمّله الأمانة، وينتظر منه الكثير من العمل المتميز والإنجاز وتنفيذ ما وعد به، وهو لا يرضى بغير الإنجاز بديلاً.

أما بخصوص المرشحين الذين لم يحالفهم التصويت، فنقول لهم: ما حصل ليس نهاية المطاف، بل لا بد أن يعتبروا ذلك انطلاقة حقيقية في مشوار حياتهم، وأن يستفيدوا من هذه التجربة التي قرّبتهم إلى نبض الشارع والمجتمع، وأن يكرسوا حضورهم المجتمعي من خلال ترجمة برامجهم الانتخابية ـ قدر الإمكان ـ إلى منهج عمل في حياتهم. فالعمل الوطني ليس مقصوراً على عضوية المجلس الوطني، بل إنه يأتي أولاً وقبل كل شيء لأنه الأساس.

وعليه تبنى الأمور الأخرى، مثل الترشح لعضوية "المجلس" أو شغل وظيفة عامة.. إلخ. كما يتوجب عليهم أن يوظفوا "النجومية" التي حصلوا عليها، بشكل فاعلٍ ومميزٍ في خدمة الوطن وأفراد المجتمع، من خلال الجهد المجتمعي والعمل التطوعي على اختلاف أنواعه..

إن نجاح العملية الانتخابية في الدولة وما رافقها من مجريات، لم تخلُ من بعض الملاحظات المهمة، والتي نوردها في النقاط التالية:

1ـ غياب النسبة الأكبر من أعضاء الهيئات الانتخابية يوم الانتخاب، وحضور 28% منهم فقط، الأمر الذي أثار تساؤلات كثيرة حول مدى دقة اختيار قوائم الهيئات الانتخابية، ومدى وعي الناخبين بالعملية السياسية.. وهذا يدعو لدراسة شاملة للتجربة الانتخابية الثانية، للوقوف على كافة الإيجابيات والسلبيات، وتصحيحها أو وضع آليات انتخابية جديدة، تحقق أفضل النتائج في المستقبل.

2ـ فوز المرأة بمقعد واحد فقط من أصل عشرين، رغم أن نسبة الإناث المدرجة أسماؤهن في الهيئات الانتخابية شكلت 46% على مستوى الدولة.. فهل يعود ذلك إلى الغيرة النسائية مثلا؟ أم أن تواضع أداء المرأة في تشكيل المجلس السابق حال دون تحقيق النتائج المطلوبة؟ قد يكون هذا أو ذاك، وربما هناك أسباب أخرى، ولننتظر نتائج عمل المرأة في المجلس الوطني الجديد.

3ـ شخصيات بارزة ترشحت للانتخابات ولم يحالفها التصويت، فبماذا نفسر ذلك؟ هل للتأثير المناطقي أو القبلي على الناخبين دور في ذلك؟ أم أن بُعد ـ وضعْ تحت كلمة بُعد خطين ـ هذه الشخصيات عن الناس في المجتمع، حال دون الحصول على العضوية؟

4ـ حجم الدعاية والإعلان لا يعكس بالضرورة حجم إقبال الناخبين على المرشح صاحب الحملات الإعلانية والدعائية الضخمة، فالعبرة هنا بشخصية الفرد ومدى فاعليته وحيويته.

5ـ ندعو وزارة الدولة لشؤون المجلس الوطني الاتحادي، إلى إنشاء مراكز دائمة للانتخابات في كل إمارات الدولة، لتكون منبراً لنشر الوعي الانتخابي قبل الانتخابات وبعدها، أي بشكل مستمر، فضلاً عن أنها ستكون بمثابة مقرات للقاءات أعضاء المجلس الوطني بمختلف شرائح المجتمع، ليطلعوا على حياة ومطالب الناس وآمالهم عن كثب، ونقلها بالتالي إلى السلطات العليا..

لقد قطعت الدولة شوطاً كبيراً في تشكيل المجلس الوطني الجديد، وما بقي إلا تعيين النصف الثاني من أعضاء "المجلس"، الذين سيتم اختيارهم وفق رؤية أصحاب السمو حكام الإمارات، حتى تمخر سفينة المجلس الوطني الجديد على بركة الله، عباب العمل البرلماني العتيد بعزمٍ وثباتٍ.

سبعة وسبعون يوماً ـ رقم يجسّد علامة النصرـ عاشتها دولة الإمارات بزخم المجد والفخر والديمقراطية، فلنبارك لدولتنا الغالية، قيادة وحكومة وشعباً، هذا النصر الديمقراطي الكبير، والإنجاز التاريخي العظيم.

 

 

 

Email