أوباما وعبارات التغيير

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا نعرف حتى الآن ماذا سيكون الموضوع الرئيسي لحملة إعادة انتخاب الرئيس الأميركي باراك أوباما، ولكن من المرجح أن تهيمن كلمة «التغيير» مرة أخرى على الحملة، ولو بشكل ثانوي.

ومع اعتراف حوالي ثلاثة أرباع أميركا بأننا نسير على «الطريق الخطأ»، ومع ثبات البطالة عند نسبة تزيد على 9%، فإن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يجمع عليه الكل هو الحاجة إلى التغيير.

وبالطبع، فإن مفهوم التغيير هو الشيء الوحيد الذي تميزت به حملة ترشيح أوباما السابقة. لذا ليس لدي أدنى شك بأنه مع اقتراب موسم الانتخابات، سيسمعنا الرئيس الأميركي المزيد عن التغيير.

ولكن الأمر مختلف هذه المرة. فنحن الآن نعرف السبل التي اتبعها الرئيس الأميركي في سعيه لإحداث ذلك التغيير على امتداد السنوات الثلاث الماضية. وبينما تعد أفكاره المتعلقة بالتغييرات التي يجب إحداثها في النظام خلال فترة رئاسته المقبلة موضع ترحيب وضرورة لا بد منها، فهناك نوع آخر من التغيير الذي يحتاج أوباما لأن يتحدث عنه حتى يتم تصديق التغييرات التي يقترحها. فهو يحتاج الى توضيح التغييرات التي ينوي إحداثها في نفسه، وفي طريقة حكمه، وفي الطريقة التي سيتوصل من خلالها إلى التغييرات المنهجية الكبيرة التي يدعي أنه يريد رؤيتها.

وكما كتب ألكسندر سولجنيتسين في روايته «الدائرة الأولى»: «إذا كنت تريد إصلاح العالم، فبمن ينبغي أن تبدأ: بنفسك أم بالآخرين؟» بعد ما رأيناه خلال فترة حكم أوباما الأولى، يبدو أنه يمكننا القول إنه لن يكون هناك تغيير كبير في فترة حكمه الثانية من دون إحداث تغيير كبير في الأولى.

وفي كتاب «الجرأة على الفوز»، عمد ديفيد بلوف، وهو أحد العقول المدبرة لحملة أوباما الانتخابية في عام 2008، إلى التحدث مراراً وتكراراً عن مدى أهمية فكرة التغيير الجوهري بالنسبة لتلك الحملة.

حيث كتب يقول: «تحتاج البلاد إلى تغيير جذري عميق»، واقتبس عن ديفيد أكسلرود قوله إن المنافسة تدور حول «التغيير في مقابل وضع قائم يعاني من الاعوجاج».

وفي أثناء قبوله ترشيح حزبه، وقف المرشح الديمقراطي الجديد في ملعب «إنفيسكو فيلد» في دنفر وقال: «إن أكبر مجازفة يمكننا القيام بها هي محاولة انتهاج السياسات القديمة نفسها مع اللاعبين القدامى أنفسهم، وتوقع نتيجة مغايرة».

وما أعظم الفرق الذي يمكن لثلاث سنوات أن تحدثه. فبينما كان هدف أوباما المرشح من التغيير هو ما تحتاجه البلاد وتتوق إليه، فقد فشل أسلوب أوباما الرئيس في إحداث ذلك التغيير. وعلى الرغم من أن بلوف كتب يقول إن أوباما رشح نفسه: «ليتحدى السياسات المفلسة والتقليدية في واشنطن، وليس ليسيطر عليها»، ففي نهاية المطاف، أو على الأقل على امتداد ثلاثة أرباع فترة حكمه الأولى، هو، في الحقيقة، من وقع تحت سيطرتها.

وكتب بلوف يقول إن الحملة: «بدأت مع مؤيدينا على أرض الواقع، وهم قادونا إلى الفوز». وأضاف إن أوباما: «شعر في داخله أنه يمكن لجيش شعبي ملتزم أن يشكل قوة فعالة إذا تم تحفيزه بشكل صحيح». ومع ذلك، بمجرد استلام أوباما مقاليد الحكم، تلاشت تلك القوة الكبيرة التي كانت حريصة على مواصلة الحملة في سبيل التغيير. ومن الواضح تماماً في هذه المرحلة أن هذا النظام لن يتغير إلا إذا تغيرت طريقة أوباما في إحداث التغييرات أولاً.

ولن يكون ذلك بالأمر السهل. فمع دنو انتخابات 2012، يميل المزيد من الناخبين إلى نبذ الخطابة بأسرها باعتبارها مجرد دعاية انتخابية. ونتيجة لهذا الانحسار في قيمة الخطابة، نظراً لأن خطاب الانتخابات يفقد نصف قيمته لحظة إلقائه.

فإن أوباما سيحتاج هذه المرة إلى أكثر من مجرد ترديد أن التغيير هو غايته. ونحتاج هذه المرة لسماع المزيد من التفاصيل حول الطريقة التي ينوي من خلالها تغيير الأساليب التي يتبعها لإحداث التغيير. وهذا يتطلب منه أن يعترف بأن أميركا ليست وحدها بحاجة للتغيير، وإنما هو أيضاً بحاجة إليه.

وبالتأكيد، فأنا أدرك تماماً العوائق الهيكلية (التي تعرف أيضاً باسم الحزب الجمهوري) التي تواجه الرئيس الأميركي. ولكن، نظراً لأنها ستبقى موجودة، فمن الأهم أن نسمع ما هي التغييرات التي يعتزم تطبيقها على طريقته في الحكم.

وتشكل خطة الوظائف الجديدة التي اقترحها أوباما مثالاً جيداً. فقد كانت خطة قوية رافقها خطاب عظيم، وأتبعها أوباما برفع قضيته مباشرة إلى ذلك «الجيش الشعبي الملتزم». فذهب أولاً إلى مقاطعة إريك كانتور وقال: «لقد حان وقت العمل. حان الوقت لإيجاد وظائف جديدة». ثم ذهب إلى ولاية جون بونر، وقال: «سؤالي للكونغرس هو ما الذي ننتظره بالضبط؟» ثم دعا بعد ذلك إلى وضع حد أدنى جديد للضرائب المفروضة على أصحاب الملايين.

كان ذلك بمثابة محاولة فعالة في إطار مهارة التسويق السياسية، وتحول منعش في الاستراتيجية. ولكن المشكلة التي ستواجه الرئيس الأميركي هي تفسير ذلك التحول، فإذا كان المرء معتاداً على اتباع نهج معين ومن ثم قام بتغييره فجأة دون الإقرار بالسبب، أو بحقيقة قيامه بذلك، أو بالدروس التي تعلمها ودفعته لإجراء التغيير، فإن ذلك التغيير لن يبدو حقيقياً.

بطبيعة الحال، فإن الاعتراف بالأخطاء وتصحيح المسار من أصعب الأمور التي يتعين على قائد ما القيام بها. ولكن من أجل دفع الناخبين إلى الاعتقاد بأن الأمور ستكون مختلفة في فترة حكم الرئيس الثانية، لا بد من الاعتراف بما لم ينجح في فترة الحكم السابقة. وإلا فإن أي حديث عن التغيير في المستقبل سيكون شبيهاً بالاستماع الى أغنية من غير موسيقى. وكلما كثر استخدام عبارات التغيير دون حدوث تغيير حقيقي، تدنت قيمة تلك العبارات.

Email