دعوة لمواجهة الفقر في أميركا

ت + ت - الحجم الطبيعي

يشكل الفقراء شريحة غير مرئية من الناس في العاصمة الأميركية، إذ يدافع الجمهوريون عن الأثرياء ويصفونهم بأنهم "مبتكرو الوظائف"، ويناصر الديمقراطيون الطبقة الوسطى، في حين يقف من هم أكثر جرأة في صف "العائلات العاملة". أما الفقراء فلا يأتي أحد على ذكرهم.

ومع ذلك، فقد كشف التعداد السكاني الأخير، أن واحداً من بين كل ستة أميركيين يعاني من الفقر، أي ما يزيد على 46 مليون شخص، وهو أعلى رقم منذ أول تعداد أجرته الحكومة الأميركية. وتواصل مستويات الفقر ارتفاعها بين شتى الأجناس والمناطق.

إن الكساد الكبير هو السبب المباشر في ذلك، فقد وصل عدد الذين يحتاجون لعمل بدوام كامل، إلى 25 مليون شخص، في حين وصل عدد الذين لا يملكون تأميناً صحياً إلى 49 مليوناً. ورغم أن عدداً من الفقراء لديهم وظائف، إلا أن الرواتب التي يتقاضونها لا تكفي لانتشال أسرهم من براثن الفقر.

إن الفقر داء مدمر، فالفقراء هم أكثر عرضة للإصابة بالمرض والوهن الناتج عن الجوع، وهم يفتقرون إلى الرعاية التي يجب توفيرها للحوامل والأطفال الرضع، وغالباً ما يحملون أمراضاً لا يتم تشخيصها. ولكن إذا كان الفقر يجعل الأميركيين مرضى، فإن الإصابة المتكررة بالمرض تجعلهم أكثر فقرا.

فالأمراض الخطيرة هي السبب الرئيسي للإفلاس. والفقر يدمر الأمل، إذ إن الطفل الجائع يجد صعوبة في التعلم، ويغطي ألم الأسنان على صوت المعلم. ومع ارتفاع معدلات الفقر، تنخفض درجات الاختبارات، ويرتفع عدد المتسربين من المدرسة.

والفقر يدمر الأحياء السكنية، فالمنازل التي يتعرض أصحابها لحبس الرهن، تتحول إلى أوكار لمدمني المخدرات. ويلجأ فاقدو الأمل إلى ارتكاب الجريمة، في حين يعمد الاستغلاليون، ومنهم مقرضو يوم دفع الرواتب ومقرضو الرهن العقاري، إلى استهداف الضعفاء.

وتقل فرص الفقراء في تأمين وسيلة نقل توصلهم إلى مكان العمل، كما تقل فرصهم في الدخول إلى بقالات ذات أسعار معقولة وخضروات وفاكهة طازجة، في حين تزيد احتمالات ذهابهم إلى مدارس تعاني من نقص في التمويل، وفر منها أفضل معلميها.

وتزيد احتمالات غرق العمال الفقراء في الديون، والعيش على راتب تلو الآخر دون أي مدخرات، أو ثروة عائلية، أو شبكة أمان تسندهم عند الوقوع في الأزمات. سيكون الفقراء معنا على الدوام، وهو الأمر الذي تعلمنا أن نصدقه.

ولكننا نعرف كيف يمكننا الحد من الفقر، فعندما شن الرئيس الأميركي الأسبق ليندون جونسون حرباً على الفقر، أعطى الأمل للملايين. والعديد من البرامج التي وضعت بهدف مكافحة الفقر، بما في ذلك الفيلق الوظيفي، و"هيد ستارت"، و"ميدي كير" و"ميديك إيد"، وكوبونات الغذاء، وفيلق المعلمين، ورفع الحد الأدنى للأجور، وغيرها كثير.. كلها تكللت بالنجاح.

وكما لخص جوزيف كاليفانو الابن، وهو وزير أميركي سابق للصحة والتعليم والرفاه: ".. منذ عام 1963، أي عندما تولى ليندون جونسون الرئاسة، إلى عام 1970، حيث بدأت آثار برامج "المجتمع العظيم" التي جاء بها في الظهور، انخفضت نسبة الأميركيين الذين يعيشون تحت خط الفقر من 22,2% إلى 12,6%، وهو أكبر انخفاض تشهده البلاد خلال فترة قصيرة كهذه، على امتداد القرن الجاري".

ومع ذلك، أصبح جونسون اليوم في طي النسيان، حتى بين الديمقراطيين، وقد باءت الحرب ضد الفقر بالفشل في أدغال فيتنام. وكما حذر الدكتور كينغ، فإن القنابل التي ألقيت على فيتنام انفجرت في شوارع المدن الأميركية.ولقد عمدنا إلى اختيار ذلك الخيار الكارثي نفسه مراراً وتكراراً، حيث أيد السياسيون في كلا الحزبين الحرب الخاطئة على العراق، والتي وصلت تكلفتها إلى ما يزيد على تريليون دولار، وتواصل ارتفاعها، في الوقت الذي رفضوا فيه برامج للفقراء داخل بلادهم، باعتبارها هدراً للمال!

وفي الوقت الحالي، يجتمع أعضاء اللجنة العليا في واشنطن للتوصل إلى طريقة لخفض العجز. ورفض رئيس مجلس النواب الجمهوري جون بوينر دعوة الرئيس لزيادة الضرائب المفروضة على الأثرياء، مشدداً على أن اللجنة تحتاج للتركيز على تقليص برامج الضمان الاجتماعي و"ميدي كير" و"ميديك إيد".

وهي البرامج التي نجحت إلى حد كبير في الحد من البؤس المتفشي بين المسنين، والأرامل ، وذوي الاحتياجات الخاصة. إننا نملك نظام رعاية صحية تضاهي تكلفته للفرد الواحد، ضعف تكلفة نظرائه في الدول الصناعية الأخرى، التي خضعت لسيطرة لوبي شركات العقاقير الطبية وشركات التأمين والمستشفيات الخاصة. وبدلاً من تطوير تلك البرامج، فإن بونر يريد المجادلة بشأن كيفية التقليل من الحماية الموفرة للفئات الأكثر ضعفاً.

النقاش محدود إلى حد كبير، ونطاق التركيز في غاية الضيق، والألم يشتد شيئاً فشيئاً. إننا بحاجة لأن يقوم البيت الأبيض بتخصيص لجنة لمكافحة الفقر وسوء التغذية والعوز الإنساني. والرئيس الأميركي وحده يملك الأداة اللازمة لإثارة نقاش كهذا، والكونغرس هو المسؤول من الناحية الأخلاقية عن رص الصفوف تحت قيادته، وانتشال الملايين من دوامة الفقر.

نحن ندعي أننا أمة أخلاقية، إلا أن صفاتنا لا تقاس إلا بالطريقة التي نعامل بها المحتاجين. ويتعين علينا أن نتوقف عن خوض حروب لا ضرورة لها في زوايا بعيدة من العالم، وأن نبدأ بإطعام الأطفال في مدننا. كما يتعين علينا أن نعود إلى جبال أبالاشيا، حيث شن ليندون بينز جونسون حربه على الفقر، وننطلق من تلك البقعة إلى المناطق الفقيرة في مختلف أنحاء البلاد. دعونا نفي بالوعد الأميركي بتوفير الرعاية للجماهير المحتشدة، التي أعياها الفقر وتتوق إلى تنفس الحرية.

 

 

Email