حرصت دولة الإمارات العربية المتحدة على إجراء انتخابات برلمانية تحقق في حد ذاتها أهدافاً مهمة ستسهم بشكل فاعل في تعميق ثقافة المشاركة والتمكين السياسية لأن أجواء الانتخابات وما يرافقها من طرح برامج للمرشحين وحدوث نقاشات مجتمعية واسعة حول القضايا العامة، كل ذلك من شأنه أن يزيد من الوعي السياسي للمواطنين واهتمامهم بالشأن العام.
وهي تمثل وسيلة للتنمية السياسية، أبدعت القيادة الحكيمة في غرسها في نفوس أبناء وبنات الإمارات للمشاركة في بناء الوطن والحفاظ على مكتسباته وإنجازاته الاقتصادية والاجتماعية والتنموية. علاوة على ذلك فإن إجراء انتخابات المجلس الوطني الاتحادي في دورتها الثانية تؤكّد قناعة القيادة السياسية وحرصها على مواصلة هذا الطريق الرشيد الخاص بتمكين المواطنين وتعزيز مشاركتهم في الشأن العام وفق أسلوب متدرج يحقق التطور السياسي للمجتمع إيمانا منها بجدارتهم وأهليتهم لتحمل مسؤولياتهم الوطنية.
وتشكل انتخابات المجلس الوطني المقرر إجراؤها غداً، اختباراً حقيقياً لأبناء وبنات الوطن لممارسة حقهم في الانتخاب والتصويت لمن يتوسمون به الخير والكفاءة والقدرة على إيصال صوتهم إلى قبة المجلس الجديد، كي يكون همزة الوصل بين الحكومة والشعب، إلى جانب مسؤولياته في مناقشة القوانين والقضايا الوطنية التي تدخل في صلب حياة المواطن، والتشاور مع الحكومة والتنسيق معها بشأن الحفاظ على المصالح الوطنية العليا.
وهذا من شأنه أن يلقي مسؤولية كبيرة على الناخبين بأن يمارسوا هذه التجربة بأسلوب يعتمد على تحكيم العقل بعيداً عن المحاباة والمجاملة الشخصية على حساب المصلحة الوطنية، وأن يشاركوا في عملية التصويت بفاعلية وكثافة، لأن مشاركتهم الفاعلة والواسعة ترسخ مفهوم المشاركة والشراكة الوطنية والمجتمعية خاصة الشراكة بين القيادة والشعب، كما أرادها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وفي المقابل فانه يتوجب على المرشحين عدم التقصير في أداء واجبهم الوطني تجاه شعبهم ووطنهم في حال تم انتخابهم ووصولهم إلى المجلس.
لقد أصبح شعب دولة الإمارات المثال الذي يحتذى به عالمياً وعربياً، فهو الشعب الذي لم يخشَ على هويته وأصالته من العولمة ولم يخشَ كذلك على ثقافته من الانفتاح على الثقافات الأخرى ولا على تقاليده وعاداته من الانفتاح السياسي والاجتماعي، كما أن الإمارات لم تسع لأن تكون المعايير والمقاييس العالمية والدولية نهاية رؤيتها في التطور الشامل بل اتجهت نحو خلق نموذج مبتكر يجمع بين الخصوصية المحلية والتحديات المستقبلية والعالمية، علاوة على أن النمو الاقتصادي المميز الذي تشهده الدولة ترافق مع حراك سياسي مستند على رؤية وحكمة سياسية صائبة نتاجها إدخال ثقافة الانتخابات فكراً وممارسة إلى المجتمع الإماراتي سواء عبر الانتخابات النيابية الأولى في 2006 والتحضيرات للانتخابات النيابية الثانية في 2011.
وعند الوقوف على أوجه المقارنة بين التجربتين الانتخابيتين، نجد أن هناك فرقا واضحا وكبيرا فيما بينها، ففي عام 2006 كان عدد المواطنين الذين يحق لهم المشاركة في الانتخابات البرلمانية حوالي 6800 ناخب، أما اليوم في انتخابات 2011، فإن عدد الناخبين هو 129,274 ناخبا وهذا يساوي عشرين ضعف عدد المشاركين في الانتخابات الأولى. وبالطبع هذه هي التجربة الانتخابية الثانية، وعدد الناخبين المتضاعف بمعدلات الزيادة العالية التي أشرنا إليها يدل على أن هناك رغبة جادة لدى القيادة الحكيمة في توسيع المشاركة السياسية للمواطنين. بعد أن كان وصول المواطنين إلى المجلس الوطني الاتحادي قبل عام 2006 يتم بطريقة التعيين المباشر.
حيث يختار حاكم كل إمارة من بين مواطنيها من يعتقد أنه الأصلح والأكفأ والأفضل لتمثيلهم. وكانت هناك مراعاة لعدة مسائل كالتمثيل الجغرافي والمستوى العلمي في اختيار الأعضاء، حيث غالباً ما يكونون من مناطق مختلفة، علاوة على أنهم كثيراً ما كانوا من المتعلمين وحملة الشهادات. أما بعد عام 2006 فتغير الحال، وأصبح الحكام يختارون نصف الأعضاء والنصف الآخر تختاره الهيئات الانتخابية. لكن عدد أعضاء الهيئات الانتخابية في الانتخابات الحالية سيكون أكبر من السابق، وبالتالي فعدد المشاركين سيكون أكبر أيضاً.
ومما لا شك فيه أن انتخابات المجلس الوطني الحالية هي تجربة جيدة وجديدة بمنظورها الشمولي، وسوف تحتاج إلى تقييم لقياس الإيجابيات والسلبيات. وأيا كانت النتيجة سوف تعتبر تلك الانتخابات نقلة نوعية في تاريخ التطور السياسي للإمارات وفرصة للمشاركة من أجل الإعداد للمرحلة المقبلة.
ومثلما رأينا فإن العدد الكبير من المترشحين الذين أقبلوا على تسجيل أسمائهم في قائمة المرشحين للانتخابات والذين وصل عددهم حاليا إلى 450 مرشحاً، يدل على مدى الإقبال والتفاعل مع التجربة والاهتمام الكبير بها. والكل أشاد بالتنظيم الجيد والإجراءات السهلة والميسرة والسريعة، مما يعني أن هناك جدية في إخراج تجربة انتخابية رائعة وفق نموذج إماراتي أروع.