العثرات المتوالية في البنوك والمؤسسات المالية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لو نظرنا إلى حالة المؤسسات المالية العامة، وأهمها البنوك التجارية الوطنية، التي ساهم فيها رأس المال الوطني، التقليدية منها، وما سميت بالإسلامية، وما شابه ذلك من التسميات، لوجدنا أن المصائب التي ابتليت بها هذه البنوك على مدى تاريخها في الإمارات، وبالذات منذ فترة الثمانينات من القرن الماضي وحتى يومنا هذا، تعود هذه المصائب بالدرجة الأولى إلى التصرف الانفرادي لرؤساء مجالس إدارة هذه المؤسسات البنكية، وكذلك الضعف الذي اعتور أعضاء مجالس الإدارة، الذين كان من النادر أن يوجد عضو يقول للرئيس

: قف، أنت على خطأ، ورأيك هذا ليس صواباً.. لأن العضو يراعي بهذه المسايرة الضارة بالمصلحة العامة، منصبه في مجلس الإدارة، والمخصصات الضخمة التي يقررها الرئيس ويسترضي بها أعضاء مجلس الإدارة، بالإضافة إلى حزمة من الأسهم بقيمة اسمية..

وكان التعيين لأعضاء مجلس الإدارة، بإرادة من الرئيس الذي يعد قائمة بأسماء من يريدهم معه مسبقاً، قبل انعقاد أية جمعية عمومية، والتي تعتبر اجتماعاتها روتينية صورية، ومعظم من يحضرون لا ينبس أحدهم ببنت شفة، أو بالأحرى لا يدرون لماذا حضروا وماذا عليهم أن يفعلوا! وإذا حدث أن ظهر صوت يبدي ملاحظة قد لا تعجب السيد الرئيس أو الماشين في الركاب، فإن الجواب يكون إسكاتا قسريا، فيضطر السائل للجوء إلى الصمت، وفي النهاية الامتناع عن الحضور..

ومن المعروف أن معظم هذه البنوك المحلية، أصابها شيء من الاهتزاز والاضطراب بشكل أو بآخر، ومعظمها أيضاً كان مركزها الرئيسي مدينة دبي، باعتبار دبي المركز الرئيسي للنشاط التجاري، وقد أغلق بعض هذه البنوك واندثرت نشاطاتها، وقامت على أنقاضها بنوك أخرى، منذ الأزمات في الثمانينات من القرن الماضي، كما تمت الإشارة إليه.

وكان من حسن حظ مساهمي هذه البنوك، أنهم لم يتعرضوا لأية خسارة تذكر بسبب تدخل حكومة دبي، والمواقف الإيجابية والحاسمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد شخصياً، والتي كان لها الأثر البارز في تفادي الخسارة، وإعادة سير هذه البنوك في الاتجاه السليم، وفي كل مرة يسود الشعور بأن أمر بنك معين ليس على ما يرام..

وكانت الإجراءات في الآونة الأخيرة، مثالاً للقرارات الحازمة والحاسمة التي اتخذها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في هذا الصدد، والتي أعادت الاطمئنان إلى النفوس بأن حقوق الناس مصانة، وأن الحكومة لن تدع للفلتان مجالاً، وأنها تعيد الأمور إلى سيرها الطبيعي متى ما استدعت الحاجة ذلك.

والحقيقة أن هذه العثرات للمؤسسات المالية كالبنوك وغيرها، ستظل مطلة برأسها بين الحين والآخر، طالما بقيت مجالس إداراتها وجمعياتها العمومية على هذه الشاكلة من الاستكانة والتراخي، وطالما يبتعد رؤساء المجالس عن روح العمل الجماعي، وينفرد الرؤساء بالسلطة والهيمنة الكاملة، وطالما أيضا لا يشعر الرؤساء، أو لا أحد يُشعرهم بأنهم جزء من الكل وليسوا الكل المطلق، حتى ولو ملك أحدهم حصة كبيرة من الأسهم..

فحقوق الأقلية الذين هم الغالبية في العدد، ينبغي أن يحسب لها الحساب، ويجب أن تصان من قبل أي إجراء تتخذه مؤسسات الدولة التي لها صلة مباشرة بالمؤسسات المالية المعنية، كالبنك المركزي ووزارة التجارة والاقتصاد وما شابهما من المؤسسات الرسمية.. وفي الواقع، هذا ما عليه الحال في الدول المتقدمة، حيث لا تدع الدولة ملاك الأغلبية من الأسهم ليطغى نفوذهم وتركن الأقلية جانباً، منعاً لبسط النفوذ من قبل فئة صغيرة كل رصيدها هو المال أو الدعم من أصحاب المال، على حساب الأغلبية من الناس.

والذي يثير الاستغراب، ويدع الكل منا يتســـــاءل؛ أين هي الرقابة من قــبل المؤسسات الرئيسية التي من المفترض أن تكون لها رقابة، كالبـــــنك المـــــركزي على سبيل المثال، لماذا لا تراقب؟

! ولماذا تتراخى في تطبيق إجراءاتها التنظيمية في ما يتـــــعلق بمتابعة ما يجري في مجالس الإدارة والجمعيات العمومية؟ ولماذا تطـــــلق العنــــان للهيمنة الفـــــردية وتغض الطرف عما يفعله رؤســــاء المجالس؟ أليس من حق السلطة الرقابية أن تشير إلى الخطأ وتسميه خطاً، وتحاول تصحيحه؟ أليس من حقنا أن نقول لهذه الجماعات الرقابية (إن صحت التسمية) إنها في سبات؟

وإن عليها أن تستيقظ لئلا تتكرر العثرات الواحدة بعد الأخرى؟ ثم ما معنى سكوت البنك المركزي عن أشخاص يوكلون إلى أنفسهم رئاسة عدة مجالس إدارة لمؤسسات مالية متشــابهة، مما لا يخالف القانون العام وحده فحسب، بل يؤدي في النهاية إلى ضعف الرقابة الإدارية داخل المؤسسة نفسها، وإلى المحسوبية والتزلف من قبل الموظفين، ناهيك عن أن القدرة عند الإنسان المنفرد بكل هذه الصلاحيات، محدودة ما لم يكن هذا الإنسان صاحب مواهب فوق قدرات البشر العادية! أو يخيل له أنه صاحب هذه الموهبة!..

Email