اعتداء الجمهوريين على حقوق التصويت

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع انطلاق حملات الانتخابات الرئاسية لعام 2012، يحاول الجمهوريون التلاعب بالقواعد، حيث يسعون، في 38 ولاية، إلى فرض تدابير من شأنها إبعاد الملايين من الشبان والفقراء والمسنين والأقليات عن صناديق الاقتراع، وهم بذلك يتبعون أكثر الوسائل منهجية لتقليص حقوق التصويت منذ ابتكار الجنوب المنفصل لاختبارات القراءة والكتابة، والضرائب الانتخابية، وأسلوب الترهيب بغية منع السود من التصويت.

في الحقيقة، إن دوافعهم واضحة، إذ يدافع الجمهوريون عن أجندة يعرفون أنها لن تلقى دعماً شعبياً كبيراً، بدءاً من خفض ضرائب الأغنياء، وانتهاء بالسعي لخصخصة برنامج "ميديكير". فهم لهم مصالحهم في خفض نسبة مشاركة الناخبين، بدلاً من زيادتها. وقد كان بول ويريش، أحد مؤسسي منظمة "الأغلبية الأخلاقية"، يحذر الأميركيين مما أسماه "متلازمة غو غو"، وهي أنماط الحكومة الصالحة التي تسعى لتسهيل عملية التصويت. فقد قال في عام 1980: "أنا لا أريد أن يصوت الجميع، إذ أن تأثيرنا في الانتخابات يزيد صراحة مع انخفاض تصويت الجماهير".

يعمل الحكام والمشرعون الجمهوريون على استحداث تدابير ترمي إلى الحد من التصويت، لا سيما من جانب الدوائر الانتخابية التي يرجح أن تعارض مسارهم. والعذر الذي يتذرعون به هو مكافحة تزوير قوائم الناخبين، ولكنهم لم ينجحوا حتى الآن في التوصل إلى أي دليل على أن ذلك يشكل مصدراً للقلق. حتى عندما حاول مستشار البيت الأبيض السابق كارل روف، دفع وزارة عدل الرئيس الأميركي السابق جورج بوش إلى التركيز على قضية التزوير، لم تتمكن تلك الوزارة من استخراج دليل واحد على وجود تزوير. وفي تقرير صدر عام 2007، لخص مركز برينان للعدالة في جامعة نيويورك، الدليل على النحو التالي: "إن احتمال إصابة شخص ما بصاعقة كهربائية بسبب البرق، يفوق احتمال انتحاله شخصية ناخب آخر في صناديق الاقتراع".

ووفقاً لتلخيص آري برمان، مراسل صحيفة "نيشن"، فقد عمدت عشرات الولايات إلى وضع عقبات أمام عملية التصويت، فيما تفكر ولايات أخرى في فعل ذالك، من خلال مطالبة الناخبين بتقديم إثبات الجنسية كأحد شروط التسجيل، مما يعرض الجماعات التي تسعى لتسجيل الناخبين لمخاطر قانونية. فقد ألغت ولاية ماين تسجيل الناخبين يوم الانتخابات الذي كان موجوداً منذ عام 1973، في حين اختصرت خمس ولايات أخرى فترات التصويت المبكرة التي حددتها. ومن جهة أخرى، تنوي ست ولايات خاضعة لسيطرة حكام ومشرعين جمهوريين، أن تطلب من الناخبين استصدار هوية من الحكومة قبل الإدلاء بأصواتهم. وتزيد نسبة الأميركيين الذين لا يملكون ذلك النوع من الهوية على 10%، وترتفع هذه النسبة بين الدوائر الانتخابية التي تميل تقليدياً إلى الديمقراطية، بما في ذلك 18% من الناخبين الشباب، و25% من الأفارقة الأميركيين.

وتعد هذه الطريقة النظير السياسي لأسلوب المراهنين، الذين يدفعون المال في سبيل بضع نقاط من نتيجة مباراة كرة السلة. فلو تم إلغاء المباراة، أو إرغام أحد الفريقين على الانسحاب، سيعترض المشجعون. لذا، فهم يتلاعبون بالنتيجة من خلال رشوة أحد اللاعبين، ليتظاهر بالإصابة أو ليلعب بشكل سيئ. وفي الانتخابات الرئاسية، كتلك التي أجريت عام 2000 أو 2004، قد يساهم اقتطاع بضع نقاط مئوية من نسبة مشاركة الناخبين، في إحداث فرق حاسم. ولكننا لا نتحدث هنا عن كرة السلة، وإنما عن حزب يتجرأ على إقامة الحواجز في وجه واحد من الحقوق الأساسية، وهو حق التصويت.

إن المشكلة الحقيقية في الانتخابات الأميركية، تتمثل في قلة عدد الناخبين. ولا يتم التسجيل بصورة تلقائية، وبالتالي لا يوجد العديد من الولايات التي تنهي عملية التسجيل في اليوم نفسه. وعلاوة على ذلك، فإن التصويت المبكر محدود، حيث تجري الانتخابات في أحد أيام الدوام الرسمي، مما يصعب على الموظفين التوجه إلى مراكز الاقتراع. ومن الواضح أن الجمهوريين لا ينوون تسهيل التصويت، أو حتى الوصول إليه. ويعد هذا مخططاً حقيقياً، من شأنه أن يلحق الضرر بالوعد الأميركي الذي يضمن تحقيق العدل والمساواة.

والمفارقة الحقيقية، هي أن أولئك الذين هم على استعداد لإعلان الحرب في سبيل الديمقراطية في الخارج، هم أكثر استعداداً لإعلان الحرب ضد الديمقراطية في الداخل. لا يمكننا الصمود أمام هذا التناقض العالمي، فالعالم بأسره يتابع ما يحصل، ولا بد أن نرى النائب العام ووزارة العدل الأميركية وهما يبذلان جهوداً أكبر لحماية حقوق التصويت.

إن أهداف الجمهوريين واضحة، فقد منعت ولايتا أوهايو وفلوريدا، الخاضعتان لسيطرة حاكمين جمهوريين محافظين، التصويت المبكر في يوم الأحد الذي سيسبق الانتخابات، وهو اليوم الذي غالباً ما تحرص فيه كنائس السود على مساعدة أتباعها على التصويت. أما حاكم ولاية فلوريدا ريك سكوت، فقد حرم أكثر من 97 ألف مجرم سابق من حق التصويت، ومنع حوالي 1,1 مليون سجين من الإدلاء بأصواتهم بعد قضاء محكومياتهم.

وفي ولاية تكساس، وقع الحاكم ريك بيري على "تشريع طارئ" يقبل تصريح السلاح كهوية للمشاركة في الانتخابات، ولا يقبل هويات الطلاب. بينما وقع حاكم ولاية ويسكونسن تشريعاً يسمح للطلاب بالإدلاء بأصواتهم، ولكن فقط في حال كانت هوياتهم تشتمل على معلومات لم تعد موجودة في الهويات الجامعية في الوقت الحالي. ونتيجة لذلك، قد يصل عدد الطلاب غير المؤهلين للتصويت في ويسكونسن، إلى أكثر من 200 ألف طالب.

لا بد من وضع حد لهذا الاعتداء على حقوق التصويت، إذ إن الولايات المتحدة أفضل من يمنع استمرار ذلك الاعتداء. وقد آن الأوان لكي تستفيق وزارة العدل الأميركية من سباتها، كما آن الأوان لكي يبدأ الأميركيون بالاحتشاد.

 

Email