طلاب أميركا يباشرون الدراسة وهم مثقلون بالديون

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل أسبوعين، أوصلت ابنتيّ الاثنتين إلى الكلية. وكما يعلم جميع الآباء والأمهات الذين لديهم أبناء في الجامعة، فإن هذا طقس حلو ومر في الوقت نفسه، أن تجمعي أمتعة ابنتك في سيارتك، وتساعديها على ترتيب غرفتها في السكن الجامعي، ثم تتركيها مع زملائها وأصدقائها وأساتذتها.

بالطبع، فإن الأمر حلو مرّ بالنسبة للأهل فقط، أما الأولاد، فإنهم يكونون في تلك اللحظات مشغولين بإحساس الترقب والإثارة والإمكانيات. فنحن نفكر في الماضي (بالأمس القريب، كانوا يلعبون في روضة الأطفال، فكيف لهم أن يذهبوا إلى الجامعة الآن؟). لكن هم يفكرون في المستقبل.

وهذه السنة كانت مؤثرة بشكل خاص بالنسبة لي، لأن ابنتي الكبرى بدأت الآن سنتها الأخيرة، وهذا يعني أن تلك كانت آخر مرة أوصلها فيها إلى سكنها الجامعي.

وبينما أنا في طريق العودة إلى نيويورك، وجدت نفسي مستغرقة في التأمل في الفرص التي أتيحت لي بفضل ذهابي إلى الجامعة. عندما كنت في السادسة عشرة من عمري وأعيش في اليونان، قرأت في مجلة مقالة عن جامعة كامبريدج، وسيطرت علي من وقتها رغبة عارمة في الدراسة في تلك الجامعة. ولقد حالفني الحظ وحققت بالفعل ذلك الحلم الغالي. ويمكنني أن أعزو كل النجاحات التي حققتها منذ تخرجي، إلى تلك التجربة الثمينة في الجامعة.

ولسوء الحظ، فإن أعداداً متزايدة من طلاب الجامعات اليوم يمرون بتجارب مختلفة جداً عن تجربتي. والذي تغير ليس التعليم ذاته، بل الظروف المحيطة به. ونلاحظ الآن بشكل متزايد، أن التخرج لم يعد يعني أن تعليمك سيحررك ويسخر خدمته لك، بل بات يعني أنك أصبحت خادماً مأجورا لتعليمك. وبدلاً من أن يدفعك تعليمك بقوة نحو المستقبل، أصبح يبقيك عالقاً في الماضي.

وبما أن هناك مجموعة جديدة من الطلاب انضمت إلى الجامعة هذا الشهر، فليس هناك وقت أنسب من هذا لإعادة التمحيص في عبء الديون الدراسية التي يحملها الخريجون معهم، وكيف تؤثر على مستقبلهم، وكيف تؤثر على مستقبل أمريكا.

ترسم الإحصائيات صورة كئيبة لمدى تغير تجربة التعليم الجامعي في الولايات المتحدة، فلأول مرة في تاريخ أمريكا، تقترب القيمة الإجمالية لديون قروض الطلاب من تريليون دولار، علماً أنها كانت حوالي 200 مليار دولار فقط في عام 2000.

ويمكن القول في المتوسط، إن خريج سنة 2011، سيدخل سوق العمل وهو يحمل على عاتقه دينا بقيمة 27.200 دولار، بحسب مارك كانترويتز، الذي يعمل كمستشار لأكثر من موقع متخصص في تأمين المساعدات المالية للطلاب.

ويقول كانترويتز إن "عبء ديون الدراسة أصبح الآن كبيرا جداً. وفي السنوات المقبلة، سنجد أن العديد من الخريجين القدامى لا يزالون يسددون أقساط قروضهم الدراسية، حتى عندما يحين وقت دخول أبنائهم للجامعة". ومن المؤكد أن هذا سوف يغير طقوس تجربة بدء العام الدراسي كما نعرفها الآن. فالآباء عندئذ سيوصلون أمتعة أبنائهم إلى السكن الجامعي، ومن ثم ستتوجه العائلة كلها إلى مكتب قروض الطلبة.

وبالطبع، فإن خريجي اليوم لا يدخلون سوق العمل وهم مثقلون بالديون فقط، وإنما يدخلونها في وقت وصلت فيه معدلات البطالة لمن هم بين عمر 20 و24 سنة، إلى حوالي 15%.

ولكي نقدّر الحجم الحقيقي للتحدي الذي يواجهه هؤلاء الخريجون، دعونا ننظر إلى هذه الإحصائية المرعبة: الآن يوجد في أمريكا تقريباً عدد الوظائف نفسها الذي كان موجوداً في عام 2000، في حين أن عدد سكان البلد الآن يزيد 30 مليون نسمة عما كانت عليه الحال حينها. وحتى الخريجون الجدد الذين يحالفهم الحظ في العثور على وظيفة، سيكتشفون أن الأجور الآن ستكون أقل مما كانت عليه قبل 10 سنوات.

وبحسب تقرير نشرته أماندا فيربانكس في "هافبوست"، فإن عدداً مخيفاً من الطالبات يلجأن الآن إلى ظاهرة خطيرة، تتمثل بمصاحبة رجال أثرياء يكبرنهن كثيراً في السن، لكي يساعدوهن في سداد قروض الدراسة. حتى أن هناك مواقع إلكترونية عديدة الآن، تسهل هذا النوع من التعارف.

ويقول براندون ويد، مؤسس أحد هذه المواقع: "خلال السنوات القليلة الماضية، شهدنا ازدياداً حاداً في أعداد الطالبات اللائي يزرن موقعنا. وتمثل طالبات الجامعات الآن شريحة كبيرة من الفتيات اللائي يحصلن على ترتيبات خاصة بهذا الشأن من موقعنا". بالطبع لم يكن مثل هذا الأمر ليخطر في بال الآباء والأمهات عندما أوصلوا بناتهم لحضور الأسبوع التوجيهي الأول، استعدادا لبدء حياتهن الجامعية.

وهكذا انتقلنا على مدى نصف القرن الماضي من قانون "جي آي"، الذي أقر بعد الحرب العالمية الثانية لدعم توفير التعليم الجامعي المجاني للمحاربين القدامى، إلى قانون مصاحبة الطالبات لرجال أثرياء لمساعدتهن في سداد قروض الدراسة. القانون الأول كان بمثابة "أداة تقدمية ساعدت في التمهيد لنمو اقتصادي لا يضاهى في ما صار يعرف بـ"القرن الأمريكي". أما الثاني فهو رمز آخر من رموز مسيرتنا الطوعية نحو الفشل والانحطاط.

لقد انتقلنا من أعظم جيل، إلى الجيل الأكثر غرقاً بالديون. لا، بل إن القانون الذي أقر بعد هجمات 11 سبتمبر لدعم تعليم المحاربين القدامى العائدين من الحرب في العراق وأفغانستان، قد تم تقليصه كجزء من صفقة الميزانية التي أبرمها الرئيس والكونغرس في ديسمبر الماضي. وفي الصفقة الأخيرة لرفع سقف الديون، تم أيضاً تقليص برنامج آخر مصمم لتخفيف عبء الديون على الخريجين الجامعيين.

لطالما كان التعليم حجر الزاوية في وعد أمريكا بالتقدم، وبوابة الدخول إلى حياة الطبقة الوسطى. تماما كما قال أوباما في خطابه لحالة الاتحاد في 2010: "في الولايات المتحدة الأمريكية، لا ينبغي أن يفلس أحد لأنه قرر الدراسة في الجامعة".

ونحن نأمل أن يضع الرئيس هذا الكلام في اعتباره، عندما يعلن عن خطته لدعم الوظائف في هذا البلد بعد أيام، ويقدم لنا خطة كبيرة وجسورة بما يكفي لفتح طريق المستقبل أمام طلاب الجامعات.. فهؤلاء يستحقون مستقبلاً مليئاً بالفرص، لا مستقبلاً مثقلاً بالديون.

Email