تبوأت أخبار المجاعة التي ضربت الصومال من شمالها إلى جنوبها ممتدة إلى وسطها كذلك صدارة الإعلام الرمضاني خاصة بعد حملات الإغاثة التي قامت بها دول الخليج، فصورة المرأة الصومالية التي التوت على نفسها من شدة الجوع، وصورة الطفل الذي تلاشت معالم جسمه ولم يبرح منه الا فتحتا عينيه، ما برحت أن تقطع أحداث المسلسل الرمضاني الذي يسرد رواية حب وغرام القصور مذكرة تلك الصور أولئك البشر أن هناك أناسا على الطرف الآخر تموت من الجوع.
نعم ما يحدث في الصومال من مجاعة وتمرد قبلي وسياسي وضياع إنما هو مسؤولية العرب بالدرجة الأولى، باعتبار أن الصومال قطر عربي وهو عضو في جامعة الدول العربية منذ عام 1974، كما يشكل أهمية استراتيجية كبيرة للدول العربية خاصة من الناحية الأمنية.
حيث يمثل بسواحله الممتدة على المحيط الهندي وخليج عدن والبحر الأحمر عمقاً استراتيجياً لدول مثل مصر والسودان والمملكة العربية السعودية واليمن وجيبوتي، كما يشكل ثقلا اقتصاديا كبيرا خاصة في قطاع استثمار تجارة المواشي وغيرها العديد من القطاعات إذا ما أحسن البحث والتخطيط حولها.
في أثناء تداعي الأزمــة الأخــيرة وقعــت فــي يــدي مخطــوطــة جميــلة تبيــن تاريــخ العــلاقات الصومــالية الخليجــية، قــام بتحقيــقها صاحــب السمــو الشــيخ الدكتــور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة وهي عبارة عن رسالة قــام ببعثها زعماء الصومال إلى الشيخ سلطان بن صقر القاسمي عام 1837، كان يستنجــد فيهــا هــؤلاء الزعمــاء بالحاكم القاسمي من بطش البريطانيين وقهرهم للشعب الصومالي فكانوا يطالبون بنصرتهم وضمهم إلى الملك القاسمي.
إلا أن الإنجليز كانوا قد حالوا دون وقوع وتحقيق تلك الوحدة المنشودة وذلك بإسراعهم بعقد اتفاقية بينهم وبين الحاكم القاسمي تحول دون وصول السفن العربية إلى موانئ الصومال لمساعدة أهله.
السؤال الذي يطــرح نفسه إذا كــان الإنجلــيز قــد وقفــوا حجــر عــثرة في إيجــاد تنسيق وتعاون مشترك بين الطرف الصومالي والطرف العربي في القــرون الماضية، فما الذي يمنع اليــوم إيجاد أي تنسيق مشترك بين الطرفين، ففيما عدا بعض المعلــومات الاقتصادية التي ضمتها كتب الجغرافيا عن الصومال وبعض أخبار المجاعة التي تتصدر عنــاوين نشرات الأخبار، وشيء من أخبار القراصنة، لا يكاد يذكر أي شيء آخر عن الصومال.
اليوم الصومال بحاجة إلى أكثر من تقديم زكاة أموال، وهي التي ظهرت في شكل مساعدات إغاثة في شهر رمضان المبارك، الصومال بحاجة إعادة إحياء في الوعي والذاكرة العربية، وذلك من خلال وضع خارطة عمل عربية مشتركة تنقذه من براثن الفقر والحروب والقرصنة.
فمنذ سقوط نظام سياد بري عام 1991 والصومال يشهد حربا أهلية واسعة أدت إلى انهيار الدولة وتدمير البنية الأساسية للاقتصاد الصومالي وغياب الخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم وسكن وغذاء مما أدى إلى حدوث مجاعة مروعة، بالإضافة إلى تنافس إقليمي ودولي حاد تمثل في دعم الأطراف المتنازعة كل على حسب مصلحته، في ظل غياب عربي تام.
المطلوب في هذه المرحلة تشكيل دور عربي حقيقي وفاعل في الصومال فالأمر بات مطلباً ملحاً خاصة بعد أن استغلت بعض الأطراف الإقليمية والدولية أزمة الصومال وباتت تستثمر هذه الأزمة لصالح رصيدها الإقليمي والدولي. فهناك العديد من الوسائل والمجالات التي يمكن للعرب النهوض بها تجاه دولة الصومال فما على العرب إلا أن يختاروا، فإن أرادوا ملف الأمن أو الملف الاقتصادي أو الملف الإنساني أو الملف الثقافي أو الاجتماعي.
فعلاً الصومال اليوم بحاجة إلى خارطة عربية مشتركة توضح طريقة النهوض به وذلك عن طريق بوابة جامعة الدول العربية، خاصة مع قدوم أمين عام جديد للجامعة، والتغيير الذي طرأ على بعض الأنظمة العربية، فالصومال سيكون بالفعل محك اختبار للربيع العربي في السنوات القادمة.