الرأي والرأي الآخر حول المجلس الوطني

ت + ت - الحجم الطبيعي

شاهدت مساء الأحد الماضي، الحادي عشر من سبتمبر الجاري، برنامجاً حوارياً أجرته إحدى الفضائيات مع شخصيتين معروفتين من أبناء الإمارات، وهما اللذان يتصدران الموقعين على العريضة المقدمة إلى الحكومة قبل ما يزيد على أربعة أشهر، ويظهر أن هذه المقابلة هي الثالثة مع هاتين الشخصيتين خلال الأشهر الماضية. ويدور الحوار كما دار في ما سبق، وفي مجمله، حول العريضة والمطالب التي تضمنتها.

وقبل أن أبدي رأياً حول الحوار ومضمونه، أود لفت نظر الاخوة الأجلاء المتحاورين، وبصرف النظر عن اتجاهاتهم السياسية والعقائدية، إلى أن ظهورهم على شاشات الفضائيات، دليل لا يشوبه ريب على أن دولة الإمارات فيها هامش لا بأس به من الحرية العامة، إن لم نقل أن فيها الحرية المطلقة.

والبرهان على وجود هذه الحرية، هو أن المتحاورين المشار إليهما أعلاه، واللذين استضافتهما الفضائية، قالوا ما شاؤوا وما أرادوا أن يقولوه من الكلام بغير أي تحفظ، وقد حمل كلامهم نقداً سياسياً حاداً للدولة في منهجها الذي تتبعه في ما يتعلق بهيكلية المجلس الوطني وتكوينه، ولو كانت هذه الحرية مفقودة في الإمارات، لتم منعهما أو وضعت في طريقهما الموانع، لكي لا يمضيان سائرين على هواهما ينتقدان الدولة، ولم أسمع أن أحدا قال لهما اسكتا كما يُقال للناس في الأنظمة التسلطية..

إذاً، فالنظام في الإمارات غير تسلطي، وعنده شيء من الاحترام للرأي الآخر، طالما كان هذا الرأي في حدود الشرعية المباحة، ولا يحمل في طياته أي نوايا غير حسنة..

وفي رأيي، أن هذه هي الرشادة المطلوب أن تكون عليها الدولة، ونظام الدولة، فتدع الناس تقول ما يعن لها من رأي وقول، ولا تلجأ الدولة الرشيدة إلى إسكات الرأي المغاير بالرد التعسفي، إلا إذا كان هناك دليل يدين هذا الرأي المعارض بأنه يسعى للخراب، وبطبيعة الحال فإن هؤلاء الاخوة الذين يحاورون في العلن، لا يضمرون شراً ولا يسعون إلا إلى الخير.

ومع احترامي للذين يشاركون في ما يجرى من حوار في هذه الفضائية أو تلك، من الأمور الخاصة بسياسة دولة الإمارات في ما يتعلق بتكوين المجالس التشريعية أو مؤسسات مشابهة، أود أن أوجه سؤالاّ إلى هؤلاء الاخوة.. لماذا تُختصر المقابلات على طرف دون آخر؟ أي على الطرف الذي يحمل رأياً مغايراً لاتجاه الدولة.. ولماذا لا يطلب هؤلاء الاخوة أن يشاركهم في الحوار من يحملون الرأي الآخر؟

أي الرأي غير المناوئ، والرأي المساير للاتجاه التدرجي الذي ترتضيه الدولة في تحقيق الديمقراطية.. أليس من حق هذا الرأي المساير أن يصاخ إليه السمع؟!.. لماذا يعتبر المناوئون والمغايرون أن رأيهم هو الأعلى، وأن قولهم وحده هو القول الحسن، وأن غيرهم صوته من النشاز؟.. أليس من حقنا أن نقول لهؤلاء إن موقفهم هذا ينم عن موقف غير ليبرالي، وفيه التعسفية المفرطة، ويعيدنا إلى الزعيق الشعاراتي وخطابات الستينات والسبعينات العسكرتارية من القرن الماضي!..

وفي النهاية، أريد أن أؤكد أنني استمتعت شخصياً بالحوار الذي سمعته من الشخصيتين اللتين أكنّ لهما كل الاحترام، ولكني لا أتفق معهما، معتقداً أن الوضع السائد في الإمارات، سواء وجد مجلس نيابي منتخب أم لم يوجد، ليس وضعاً سيئاً، بل هو وضع حسن إلى أبعد حد، وهو سائر نحو الاتجاه السوي إلى الأفضل، وإلى تحقيق العيش الكريم للإنسان الإماراتي ولمن يعيش بين ظهرانيه في مجتمع مدني تعددي ومتكافئ، وعلينا تشجيع الدولة وحثّها على عدم التواني في المضي قدماً بالبرنامج الإصلاحي إلى الأمام، وبالشكل التدرجي، وليس بالقفز على الحواجز لمجرد التقليد، لئلا نصبح على ما نفعله نادمين.

Email