حصاد الخسائر الروسية في ليبيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتوقع الكثيرون أن تجر مواقف روسيا من الحراك الشعبي في الدول العربية خسائر عديدة مع تواصل مسلسل سقوط الأنظمة الحاكمة التي دعمتها موسكو ضد الاحتجاجات الشعبية، خاصة في ليبيا وسوريا، ورغم أن روسيا شاركت بوفد رسمي في مؤتمر أصدقاء ليبيا الذي عقد مؤخرا في باريس، ورغم أنها كانت لها اتصالات بالمجلس الانتقالي في ليبيا، ودعته إلى موسكو لإجراء مناقشات.

ورغم أن القائمين على المجلس الانتقالي صرحوا أكثر من مرة بأن العلاقات الخارجية لليبيا لن تتأثر كثيرا برحيل نظام القذافي، وخصوا روسيا والصين بهذه التصريحات، إلا أن الكثيرين يتوقعون خلاف ذلك.

ويرون أن هذه مجرد تصريحات تفرضها المرحلة الانتقالية الحالية، لكنها قابلة للتغيير الجذري بعد استقرار الأمور، خاصة وأن روسيا والصين كانتا ضد إسقاط نظام القذافي، ولم يساهما فيه، بل هناك من يتهمهما بدعم قوات القذافي بالسلاح والعتاد، وحتى بالأفراد أثناء الحرب لدائرة هناك.

كما يرى آخرون أن دول حلف الناتو التي أخذت على عاتقها إسقاط نظام القذافي وتكلفت تبعات هذا الأمر ماديا وسياسيا على المستوى الدولي لن تتنازل لروسيا ولا للصين بنصيب من الكعكة الليبية، ولكن رغم هذا إن الأمر يحتمل احتمالات كثيرة ولا يمكن الجزم بالنتائج الآن.

وبداية لحصد خسائر روسيا في ليبيا يمكن القول أن حجم الخسائر الروسية كما يقدره بعض الخبراء المختصون يمكن أن يصل إلى 10 مليارات دولار، حيث من المتوقع أن يفقد الروس سوقاً هامة للأسلحة، حيث سيحل مكانهم منتجو أسلحة من حلف الناتو الذي حارب بقواته من أجل تحرير ليبيا، كما أن هناك مشاريع خطوط السكك الحديدية التي كانت قد جرى الاتفاق حولها مع نظام العقيد القذافي، وكانت على وشك الدخول حيز التنفيذ، و هناك أيضا اتفاقات مشاريع النفط والغاز.

ولتفصيل هذه الخسائر يمكن القول أنه في مجال خطوط السكك الحديدية، تم توقيع عقد بين البلدين أثناء زيارة الرئيس فلاديمير بوتين لليبيا في العام 2006، بقيمة 2.2 مليار يورو.

حيث تم الاتفاق على مد خط سكك حديد بين سيرت وبنغازي في مسار مواز للشريط الساحلي ليصل بين المدن الليبية الكبيرة، وليتحول في المستقبل إلى خط دولي في شمال أفريقيا. ويتضمن المشروع بناء وصلات طرق حديدية وبرية وإنشاء أربع محطات قطار كبيرة و24 محطة صغيرة، وكان مقررا أن ينتهي تنفيذ المشروع بالكامل في عام 2013.

وفي مجال النفط والغاز، كانت هناك مشاريع لعدة شركات روسية مثل شركة «غاز بروم» و«تاتنيفت» لاستخراج النفط الليبي في البحر الأبيض المتوسط بالتعاون مع الشركة الألمانية «وينترشل». ويقدر خبراء خسائر «غازبروم» في حال فسخ العقد بـ350 مليون دولار، أما شركة «تاتنيفت» التي عملت بالتعاون مع الشركة الوطنية الليبية «ناشيونال أويل»، فتقدر خسائرها بنحو 250 مليون دولار.

ومن المعروف أن شركة «غازبروم» كانت قد تعاقدت على شراء حصة الشركة الإيطالية «إيني» في استخراج النفط من منطقة إيليفان الليبية بمبلغ 163 مليون دولار، ويظل مصير هذا التعاقد مجهولا حتى الآن. وهناك عقود في مجال التعدين أجرتها شركة «روسال» الروسية التي سبق أن اتفقت مع الجهات الليبية على بناء مصنع لإنتاج الألمنيوم بطاقة 600 ألف طن في السنة، يضم محطة غازية لإنتاج الطاقة الكهربائية بحجم 1500 ميغاواط.

رغم ما يقال من خسائر متوقعة لروسيا في ليبيا فإن النظام الروسي يرى أن الأمر ليس بهذه الصورة، ولا تتوقع موسكو أن يسيس المجلس الانتقالي الليبي الاتفاقيات المبرمة مع روسيا، خاصة وأن ممثلي المعارضة في بنغازي أكدوا في شهر يونيو، عندما كانت العمليات العسكرية قائمة بين الثوار وقوات القذافي، أن جميع العقود الموقعة بين روسيا والنظام القديم سيتم التقيد بها، وهذا يخص القطاع النفطي والتعاون العسكري ــ التقني ومد سكك الحديد».

ولا شك أن النظام القادم في ليبيا سيسعى لتحسين سمعته ويحاول تفادي السيناريو العراقي، خاصة وأن المجتمع الليبي القبلي يتمتع بطبيعة تختلف كثيرا عن المجتمع العراقي، كما أنه ليس من المتوقع أن تلجأ دول حلف الناتو إلى تقسيم كعكة ليبيا على نفسها وتعزل الآخرين عمدا.

وإلا سيكون هذا نقطة النهاية للتعاون بين روسيا والصين من جانب ودول حلف الناتو من جانب، وليبيا ليست آخر الطريق، ومن المؤكد أن حلف الناتو سيحتاج لروسيا في قضايا ومناطق أخرى في العالم، وخسارتها في ليبيا سيضيع فرصا كثيرة قادمة.

Email