روسيا والسعي لحل أزمة النووي الكوري

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم انشغال المجتمع الدولي بتطورات مسار الأحداث في ربيع الثورات العربية، فإن الملفات المستعصية ما زالت تضغط على الاستقرار العالمي. ولعل هذا ما دفع موسكو للتحرك نحو إيجاد سبل للتفاهم مع النظام الحاكم في كوريا الشمالية، والذي بلغ احتقان علاقاته العام الماضي مع كوريا الجنوبية، إلى حد تبادل إطلاق النيران والقصف المدفعي، وكادت الأمور تتصاعد لحرب في المنطقة، لولا تدخل الأطراف الدولية.

زيارة إيل كيم رئيس كوريا الشمالية إلى روسيا، التي التقى خلالها مع الرئيس الروسي ديمتري ميدفيدف، جاءت كخطوة هامة على طريق بدء الحوار لإنهاء أزمة الملف النووي الكوري الشمالي. وذلك رغم أن أسباب حرص الرئيس الكوري على الاستجابة للدعوة الروسية، يعود إلى مصالح بلده في تطوير التعاون الاقتصادي مع روسيا.

 ومن المعروف عن الزعيم الكوري، أنه نادرا ما يغادر بلاده، ولا يركب طائرات أو سفن، بل يعتمد على القطارات في رحلاته. لكنه، وبعد انقطاع استمر أكثر من عشر سنوات مضت، قرر زيارة روسيا تحت تأثير ضغوط الأزمات الاقتصادية التي تواجهها كوريا الشمالية، التي ليس لها حلفاء أو أصدقاء تعتمد عليهم في العالم سوى روسيا والصين.

وفي ختام مباحثاته مع الرئيس مدفيدف، أبدى الزعيم الكوري "على مضض"، استعداد بلاده لاستئناف المباحثات السداسية حول الملف النووي الكوري الشمالي "دون شروط مسبقة"، وتقرير مسألة حظر تجريب وإنتاج السلاح النووي. لكنه في نفس الوقت، توصل إلى اتفاق بتشييد خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى الكوريتين الشمالية والجنوبية معا، وسيتم تشكيل لجنة ثلاثية لدراسة مشروع إنشاء خط أنابيب بطول 1100 كيلومتر، لنقل الغاز من روسيا إلى الكوريتين.

وتجدر الإشارة إلى أن واردات كوريا الشمالية من ترانزيت نقل الغاز الروسي إلى كوريا الجنوبية، تشكل "طوق النجاة" الذي سيساعدها في مواجهة الانهيار الاقتصادي. ويترافق هذا المشروع مع إنشاء خطوط نقل الكهرباء من روسيا إلى كوريا الجنوبية، وربط شبكة السكك الحديدية الكورية بشبكة السكك الحديدية الروسية. وأثناء الزيارة قررت موسكو إرسال شحنة من المساعدات الإنسانية إلى كوريا الشمالية، تتضمن 50 ألف طن من القمح.

لا شك أن مشروع تشييد خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى الكوريتين، لن يعود بالفائدة على الأطراف الثلاثة فحسب، وإنما سيؤدي أيضا إلى تقليل التوتر بين "سيول" و"بيونغ يانغ"، تمهيدا لقبول تسوية لحل المشكلة النووية لشبه الجزيرة الكورية.

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قد أعلن خلال استقباله نظيره الكوري الجنوبي كيم سونغ هوان، أن روسيا تدعم سياسياً مشروع إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى كوريا الجنوبية عبر كوريا الشمالية، ما كشف عن رؤية روسية، ليس فقط لتسوية الأزمة بين الكوريتين، وإنما أيضا لتوطيد مواقع روسيا في شبه جزيرة كوريا.

تصريحات بيونغ يانغ، التي تؤكد استعداد حكومتها للمشاركة الإيجابية في المحادثات السداسية من دون أي شروط مسبقة، لتسوية أزمة ملفها النووي، بعد توقف المفاوضات السداسية منذ عامين، تكشف عن تغيرات ومعطيات جديدة في موقف كوريا الشمالية. لكن واشنطن ما زالت ترى في تصريحات قادة كوريا الشمالية، مناورة سياسية.

ولا تسعى للتجاوب مع دعوات مختلف الأطراف لاستئناف المفاوضات السداسية الخاصة بتسوية أزمة ملف كوريا الشمالية النووي، وقد طالب كورت كيمبل مساعد وزيرة الخارجية الأميركية "بيونغ يانغ" بتقديم أدلة على جديتها وحسن نواياها، وذلك بالتوصل إلى تفاهم مع "سيول" يضمن استقرار شبه الجزيرة الكورية وأمنها، خاصة أن مسار الحوار بين بيونغ يانغ وسيول، يكشف عن وجود إمكانية فعلية للتفاهم، إذ أن أكثر من 200 شركة كورية جنوبية تتعاون مع كوريا الشمالية في مجال التجارة.

ويبلغ إجمالي حجم التبادل التجاري في هذا المجال 254 مليون دولار. وقد نفذ العديد من المشاريع الاقتصادية المشتركة، منها منطقة كيون سانغ السياحية، ومنطقة كيسونسك الصناعية، وربط السكك الحديدية وطرق الشمال والجنوب على الساحلين الشرقي والغربي.

لكن يبدو واضحا استمرار المواجهة بين واشنطن وبيونغ يانغ، والتي أدت إلى إصرار الحكومة الكورية الشمالية على تصنيع الصواريخ البالستية الاستراتيجية، وغياب المساعي الحقيقية لإيجاد حلول وسط، واستيعاب احتياجات كوريا الشمالية. هذه المواجهة التي استهدفت منها الولايات المتحدة التواجد عسكريا في المنطقة، عبر تسليح كوريا الجنوبية وإمدادها بالعتاد العسكري ودعمها اقتصاديا.

لا شك أن الغرب عجز عن حل أزمة شبه الجزيرة الكورية، بسبب إصراره على ضرورة إسقاط حكومة بيونغ يانغ، بل إن الإدارة الأميركية السابقة في عهد الرئيس بوش الابن، اعتبرت كوريا الشمالية من دول "محور الشر" التى تجب معاقبتها وعزلها، إلا أن عزل كوريا الشمالية واستفزازها عسكريا لن يؤدي لتسوية الأزمة. فقط فتح قنوات الحوار، هو وحده السبيل لإنهاء أزمة شبه الجزيرة الكورية وإخلائها من السلاح النووي.

 

 

Email