مشروع محمد بن راشد لرعاية مخطوطات جامعة الأزهر

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتأكد على الدوام أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، حفظه الله، يولي الجانب الثقافي والفكري نفس الأهمية التي يوليها للجانب الاقتصادي والجانب العمراني... فهو يؤمن كما يتضح من أحاديثه التي نسمعها في كل لقاء له مع الناس، وكما يذكر في كتابه المشهور «رؤيتي»، أن الاهتمام بالثقافة أساس لأي عمران مدني، وما لم تكن الثقافة متوازية مع أي تخطيط عمراني، يكون هذا التخطيط ناقصاً غير مكتمل الجوانب.

ومن هنا يعمل صاحب السمو الشيخ محمد، على رفع الشأن الثقافي وشأن المثقفين، ويعبر عن ذلك في بيت شعري جميل من قصيدة له بعنوان «اللغة الخالدة»:

شكَرْتُ سعْيَكَ واسْلَمْ فاهماً لبِقاً

ونحن نُكْبِرُ شأْنَ الفَاهِمِ اللَّبِقِ

ومن الطبيعي أن لا يكون هناك فاهماً لبقاً، إلا أن يكون فهمه نابعا من خلفية ثقافية وفكرية، وللشيخ محمد بن راشد مشروعات ثقافية ومعرفية غير مقتصرة على الإمارات أو على دبي بل تساهم مشروعاته الثقافية في نشر المعرفة في أنحاء كثيرة من العالم وفي المجتمعات التي هي في حاجة ماسة إلى مثل هذه المشروعات، ولعل مشروع «دبي العطاء» أحد أبرز هذه المشروعات المعرفية الخيرية والإنسانية.

ويأتي مشروع الشيخ محمد بن راشد لحفظ وصيانة المخطوطات في الأزهر الشريف بمصر، ونشر هذه المخطوطات على المواقع الالكترونية، ليجسد مبادرة ثقافية كبيرة، وحرص سموه على تأكيد دور الإمارات في المساهمة في كل ما من شأنه دعم الثقافة، فالتراث الذي تحتويه مكتبة الأزهر في جمهورية مصر، تراث إنساني كبير الأهمية، بجانب أنه تراث عربي إسلامي.

يحتوي على مخطوطات في شتى فروع المعرفة، وتربو على خمسين ألف مخطوطة، وكانت هذه المخطوطات قد دب فيها التلف والتآكل بسبب وجودها في مخازن وغرف قديمة، وبسبب تراكمات السنين التي مضت عليها والتي يرجع تاريخ بعض هذه المخطوطات إلى أكثر من ألف من الأعوام، ومن هنا كان العمل على صيانة هذا التراث والعناية به، وتحويله من الورقية إلى الالكترونية، مهما، بغية الاستفادة منه عالميا على المواقع الالكترونية، وتعميم فوائده في كل مكان في العالم.

بالإضافة إلى العمل بالوسائل العلمية الحديثة على إنقاذ هذا التراث من التلف وصيانته، وقد تم حتى الآن صرف ما يقارب عشرة ملايين دولار على هذا المشروع الإنساني المهم تبرعا من سمو الشيخ محمد بن راشد، ومما يزيد في الأهمية أن المشروع تابع لجامعة الأزهر، التي تعتبر إحدى أقدم دور العلم الباقية، وتاريخها يتعدى أحد عشر قرنا من العهد الفاطمي حتى الآن، وللأزهر الشريف كما هو معروف، مكانة كبيرة في قلوب المسلمين لما لعبه من دور في الحفاظ على اللغة العربية، ونشره على مر السنين.

الدراسات والبحوث التي أسدت خدمات جليلة للثقافة العربية الإسلامية، كما أن للأزهر الشريف وللعلماء الذين تخرجوا منه، الدور البارز في إظهار الوجه الحضاري للتعاليم الإسلامية، وتقديم الإسلام إلى العالم كمرام إنساني متحضر يدعو إلى الاعتدال والتعايش السلمي بين المجتمعات والوقوف في وجه التطرف والمغالاة.

والحقيقة أن مشروع الشيخ محمد بن راشد هذا، مشروع ثقافي إنساني، علينا جميعا الإشادة به واتخاذه مثلا صالحاً لحث الهمم على مجاراته من قبل القادرين على المساهمة لكي نحفظ تراثنا الثقافي ومتاحفنا من التعرض للتلف، وصيانتها ودعمها في كل مكان يوجد فيه هذا التراث.

وخلال الكلمات التي ألقيت في الحفل الذي أقيم في القاهرة في يوم 27 رمضان، بمناسبة استكمال المشروع، اعتبر المتحدثون أن مشروع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إضافة قيمة للمشاريع ذات النفع العام التي قام بها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في جمهورية مصر من البناء والعمران للمدن السكنية، وبناء الترع في الصحاري المصرية لري الأراضي الزراعية وغير ذلك من المشروعات التي يصل نفعها اليوم إلى عدد كبير من الشعب المصري الشقيق.

وما دمنا في ذكر هذا المشروع، مشروع الشيخ محمد بن راشد في حفظ التراث الثقافي في جامعة الأزهر، فإنه يجدر بنا أن نشيد بالجهد الكبير المتواصل الذي بذله الأستاذ الأديب والشاعر جمال بن حويرب، المنتدب من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد للإعداد والإشراف على تنفيذ المشروع حتى اكتماله، وكان لجهد هذا الرجل الخيّر، جمال بن حويرب، وتنظيمه المتقن أثر في نجاح المشروع، والوصول به إلى هذه الدرجة العالية من الجودة وحسن الأداء.

Email