أميركا بحاجة ماسة إلى قنفذ جيد

ت + ت - الحجم الطبيعي

في عام 1953، وضع الفيلسوف البريطاني أشعيا برلين أسلوبين متناقضين للقيادة: أسلوب القنافذ وأسلوب الثعالب، مستنبطاً أفكاره من أحد أبيات قصيدة يونانية قديمة للشاعر أرخيلوكوس. يقول في هذا الصدد: «لدى الثعلب أفكار كثيرة ومتنوعة، أما القنفذ فليس لديه سوى فكرة كبيرة واحدة».

ووفقاً لبرلين، فإن الثعلب يسعى وراء غايات عدة، لا تتعلق إحداهما بالأخرى، وتكون متناقضة في كثير من الأحيان، وإذا كان هناك ما يربطهما، فلا بد أن يكون ذلك ضمن حكم الواقع. ومن جهة أخرى، يمثل القنفذ «رؤية داخلية وحدوية، تتسم بأنها غير قابلة للتغير وشمولية».

وحاليا، ومع الأزمة التي تعيشها الولايات المتحدة، يتوق الشعب الأميركي إلى قنفذ يمسك بدفة القيادة، حتى لو كان أحد أولئك المتعصبين المتوهمين الذين يتولون قيادة الحزب الجمهوري حالياً. فعلى الرغم من أن فكرتهم الكبيرة الواحدة، التي «لا تتغير، وتتصف بالشمولية، ستقود البلاد بلا شك في الاتجاه الخاطئ، فإن طرحهم الواضح لها سينال استحسان الشعب الذي يدرك، بوعي أو بدون وعي، أن مشاكلنا أكبر من أن يتمكن ثعلب من حلها.

نحن نعلم أن الرئيس الأميركي أوباما قد يكون قنفذاً، فهو، في نهاية المطاف، فاز في الانتخابات بهذه الطريقة في العام 2008. إلا أنه مذ تولى منصبه، عمد بشكل ملحوظ إلى اتباع أسلوب الثعلب في طريقة حكمه. وهناك فرق شاسع بين أن يكون للمرء رؤية معينة، وبين أن يتبنى رؤية الطرف الآخر بهدف تخفيف الأضرار التي قد تنجم عن ذلك. وعلاوة على ذلك، فإننا لا نحتاج إلى خطة الثعلب لتقليل الأضرار الناجمة عن رؤية الجمهوريين الاقتصادية المدمرة، بل نحتاج إلى رؤية بديلة.

ومن الواضح أنه كان ينبغي تبني تلك الرؤية البديلة قبل أن يصل البؤس الاقتصادي الذي نعاني منه، والذي كان من الممكن تفاديه، إلى ما وصل إليه الآن من حالة مزرية. ومع ذلك، فإن الأوان لم يفت بعد. ويبدو أن هناك أصواتاً علت أخيراً، في أرجاء البيت الأبيض مطالبة بتبني أسلوب قنفذي.

ووفقاً لما كتبه بنيامين أبلباوم وهيلين كوبر في صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن البيت الأبيض «ينظر في ما إذا كان سيعتمد نهجاً أكثر نضالية فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية، محاولاً تسليط الضوء على الاختلافات الجوهرية بينه وبين الجمهوريين في الكونغرس، وكذلك على الحملة الانتخابية، بدلاً من الاستمرار في السعي وراء تنازلات بعيدة المنال».

وللأسف، يبدو أن الفوز حليف الثعالب في البيت الأبيض. فحسب ما ورد في صحيفة «تايمز»، يرغب كل من ديفيد بلوف ورئيس الأركان بيل دالي باتباع «استراتيجية واقعي» تقوم على «أفكار يصادق عليها الكونغرس، حتى لو لم تكن ذات تأثير اقتصادي كبير».

ويمثل ذلك فهماً خاطئاً عميقاً لحالة البلاد. فقد قالت كريستينا رومر، التي عينها أوباما سابقاً رئيسةً لمجلس المستشارين الاقتصاديين: «إن تفادي المخاطرة لن يضع حداً للمشكلة. ومع غياب الاقتراحات الجديدة ووقف المحاولات للقيام بشيء يمكننا من التعامل مع مشكلاتنا، سينتهي بنا المطاف إلى عام ونصف العام يشبهان العام ونصف العام الماضيين، وعندها سيكون من الصعوبة بمكان أن يُنتخَب أوباما مجدداً. ولا يجتذب الناس لرسالة الحزب الجمهوري بسبب منطقها الاقتصادي، ولكن لمجرد كونها كبيرة وجريئة. وفي الواقع، فقد استمرت تلك الرسالة في إحداث صدى قوي، حتى مع فقدها لمعناها يوماً بعد يوم.

وبينما يتبنى البيت الأبيض رسالة الحزب الجمهوري التي تنص على أن تخفيض الديون هو السبيل إلى اقتصاد جيد، وليس العكس، يرى عدد متزايد من الجانب الجمهوري، بمن فيهم مارتن فيلدشتاين، المستشار الاقتصادي للرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان، وهانك بولسون، وزير خزانة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، أن تلك الرسالة محفوفة بالمخاطر ومجافية للحقيقة.

وأخبر الرئيس التنفيذي لشركة السندات الاستثمارية العملاقة «بيمكو« صحيفة «واشنطن بوست»: «إن اتخاذ إجراء فوري كفيل بموازنة الميزانية ومناهض للنظرية الكينزية المتعلقة بالاقتصاد، من شأنه أن يضيق الخناق على أي مطالب حيوية».

 إن تعزيز الفكرة القائلة بأن هذا هو الوقت المناسب للجرأة وترك الإصلاحات الصغيرة يثير سخطاً عالمياً على سياسة التقشف الاقتصادي. وقد كتب توم فريدمان في صحيفة «تايمز» الأميركية: «من أثينا إلى برشلونة، تشهد ساحات المدن الأوروبية احتجاجات من قبل شبان يشتكون من البطالة، ومن فجوات الدخل العملاقة، في حين يظهر حزب الشاي الناقم على حين غرة، ويقلب السياسة الأميركية رأساً على عقب».

وقام ديفيد جودهارت، مؤسس مجلة بروسبكت، بوضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بما ذكر في برنامج فريد زكريا على قناة «سي إن إن»، فقال: «لدينا الكثير من المشكلات العميقة في مدننا الداخلية. وقد ساهم الازدهار الاقتصادي على مدى السنوات العشر أو الخمس عشرة الماضية بالتغطية على تلك المشكلات بصورة جزئية. ومع انتشار الفكرة القائلة بأنك لا تستطيع العيش في مجتمع مستقيم، أصبحت أساليب العنف هي الشيء الوحيد الذي يمكن القيام به».

وبعبارة أخرى، عندما يصبح المستقبل صعب المنال، فتعجز عن إيجاد فرصة عمل، وتعجز عن دفع الفواتير الخاصة بك، وتعجز عن تحمل مسؤولياتك الأساسية، فإنك على الأرجح ستشعر بأنك لا تملك حصة من المجتمع، وبالتالي ستنقلب عليه.

وفي الأزمات العميقة، كتلك التي نمر بها، يصعب على الثعالب أن تتغلب على القنافذ، حتى تلك التي تحمل أفكاراً خاطئة على نحو ينذر بالخطر. وفي الوقت الحالي، لا يوجد في الصورة قنافذ أخرى.

Email