أميركا في مواجهة الفقر

ت + ت - الحجم الطبيعي

الفقر ينتشر في أميركا، فهناك واحد من كل خمسة أطفال فيها ينشأ في حالة فقر. ويعتمد الملايين من الأميركيين على كوبونات الطعام، وهناك نحو 25 مليون شخص بحاجة إلى عمل بدوام كامل. ويعود قدامى المحاربين إلى وطنهم من ساحات القتال في الخارج، إلى صحراء اقتصادية، والكثير من المشردين في أميركا هم من قدامى المحاربين.

ومع ذلك فإن الفقراء لا يلتفت إليهم أحد في مناقشاتنا السياسية. ويتحدث الديمقراطيون عن إنقاذ الطبقة الوسطى، في حين يقلق الجمهوريون بشأن حماية "الجهات الموفرة للوظائف". وخلال النقاش الرئاسي الجمهوري مؤخراً، لم يذكر الصحافيون ولا المرشحون كلمتي "الفقراء" أو "الفقر".

 ولم تكن كلمة "الفقراء" وحدها هي المحتقرة، بل إن النظام السياسي الأوسع يتجاهل اليائسين، ويتم إرسال هذه الرسالة المشؤومة من قبل الناطقين باسم الشرائح الاجتماعية الدنيا.

إن الإنكار لا جدوى منه، فهذا البلد يشبه سفينة ضخمة تجري على سطح الماء، والبعض ممن هم على متنها حريصون للغاية على التخلص من قائد السفينة، لدرجة أنهم مستعدون للسماح بغرق كل شيء. وفي معرض حديثه عن أعضاء حزب الشاي في الكونغرس بشأن كارثة سقف الدين، قال رئيس مجلس النواب الأميركي جون بوينر، إن الكثيرين يظنون أن "القليل من الفوضى" قد يساعدهم في تحقيق أغراضهم. حسناً، لقد وصلوا إلى حالة الفوضى، وتصارع سفينة الدولة الأمواج العاتية.

لكن يبدو أن معظم الناس يركزون على حماية من هم في القمرات الفاخرة، في الطوابق العليا، فهم غافلون عن المياه التي تتدفق من القاع، والمزيد ممن هم في الطوابق السفلى من السفينة، يكافحون فقط لإبقاء رؤوسهم فوق الماء. ومن نافلة القول أنه على الرغم من احتمال أن يغرق الفقراء أولاً، فإن من هم في الطوابق العليا لا يبلون بلاءً حسناً عندما تغرق السفينة كلها.

ويعلم أغنى الأميركيين أن هذا ليس صحيحاً. ففي عدد 14/8 من صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، يدعونا الملياردير الأميركي وارن بافيت، أحد أغنى أغنياء أميركا، إلى "التوقف عن تدليل" الأثرياء. ويكتب بافيت: "في حين أن الفقراء والطبقة المتوسطة يحاربون من أجلنا في أفغانستان.

وفي حين أن معظم الأميركيين يناضلون من أجل تغطية نفقاتهم، فإننا كأغنياء غنى فاحش، نواصل الحصول على إعفاءاتنا الضريبية غير العادية". ومع أنه يحقق معظم ثروته من العائد على الاستثمار، فإنه يشير إلى أنه يدفع ضريبة أقل نسبياً من الكثيرين في مكتبه، ويدعو إلى زيادات خاصة في الضريبة على المليونيرات والمليارديرات.

وفي مجال العمل السياسي، نسمع الكثير من الكلام الذي يهدف إلى ترشيد التخلي عن الفقراء. فالتخفيضات الضريبية المتكررة إلى حد كبير على الأغنياء، وحربان غير ممولتين، والجشع المالي في وول ستريت، كل ذلك نسف اقتصاد أميركا وفجّر ديونها.

ومع ذلك يقال لنا إنه يتعين علينا إحداث توازن في ميزانيتنا عن طريق خفض الإنفاق، وخصوصاً على البرامج الأساسية التي يعتمد عليها الفقراء والعاملون، والتي تتمثل في الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية والمساعدات الطبية، ويقال إن "التضحية المشتركة" من شأنها خفض أسعار الفائدة بالنسبة إلى الأغنياء والشركات.

الأمر الأكثر أهمية، أن معظم من هم أكثر قسوة بشأن الفقراء، هم من يصدرون أعلى الادعاءات حول عقيدتهم الدينية. فهم يتجاهلون قصة حياة المسيح، وأنه بعد ولادته في مذود، فرّ إلى مصر كمهاجر، ثم عاد إلى أرضه نجاراً، وأعلن أن رسالته تحمل "نبأً طيباً للفقراء"، متعهدا بالمساعدة في شفاء الثكالى وإطعام الفقراء. وفي الوقت نفسه، قذف المسيح بالمرابين خارج الهيكل، مشيراً إلى أن فرصة الأغنياء القساة لدخول الجنة كفرصة مرور جمل عبر سَمّ الخياط.

إن ساسة اليوم ينحنون أمام الحكام الشباب الأثرياء، الذين يستخدمون جماعات الضغط لسن التشريعات والقوانين. وللأسف، فإننا كثيرا ما نفضل الحاكم الشاب الغني الذي يعيش في القصر، على المسيح الذي ولد في المذود.

الفقراء ليس لديهم المال، لذلك فهم لا يقدمون إسهامات لتبرعات الحملات الانتخابية. كفاحهم من أجل البقاء يستهلك حياتهم، لذلك فهم غالباً لا يصوتون. فالأمر يحتاج إلى القيادة وحركة المواطنين، لاستدعاء الأميركيين الحقيقيين من أجل التضحية المشتركة.

فعندما اغتيل الدكتور لوثر كينغ، كان يقوم بتنظيم حملة شعبية من أجل الفقراء، تستهدف جلبهم إلى واشنطن للمطالبة بالوظائف وبالعدالة. فقد ساعدت حركة الحقوق المدنية في إقناع الرئيس الأميركي الأسبق ليندون جونسون، بأنه قد حان الوقت لإنهاء العنصرية الأميركية وشن حرب على الفقر، من أجل بناء مجتمعه الكبير.

لا يمكن إنقاذ أميركا من الأعلى إلى الأسفل. فالمقصورات في الطوابق العلوية هي بالفعل فخمة للغاية، والسفينة يحدث فيها تسرب من أسفل. فلا يجب أن تستمر المناقشات بشأن الحملة الانتخابية وفي واشنطن، لكي تركّز على قاعات السفينة في ظهر المركب، بينما تتجاهل الضرر الحاصل في أسفلها.

فلتتذكروا أن شخصية أميركا وواجبنا الأخلاقي، يرتبطان بالطريقة التي نتعامل بها مع الأقل من هذين الأمرين. قرأت في مكان ما عبارة تقول: "اعطني كادحيك وضعفاءك وفقراءك الذين يتوقون إلى تنفس الحرية، البائسين المنبوذين على شاطئك. فلترسل لي من لا مأوى لهم. فأنا أرفع مصباحي بجانب الباب الذهبي".

تنطوي هذه الدعوة على مناقب سامية، وهي مفتاح عظمتنا، ولا ينبغي التخلي عنها أبداً.

 

 

Email