روسيا تحذر من أزمة الديون الأميركية

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم الحل الوسط الذي توصل إليه الجمهوريون والديمقراطيون في واشنطن حول رفع سقف المديونية الأميركية، ورغم التجاوز النسبي للأزمة بين الجبهتين المتصارعتين على الساحة الأميركية التي تستعد من الآن لحملات سباق انتخابات الرئاسة في العام القادم، إلا أن هذه الأزمة كشفت بشكل واضح، حسب رأي الخبراء الاقتصاديين العالميين، عن خطورة وضع الاقتصاد الأميركي وتأثيره المباشر على الاقتصاد العالمي.

وقد أثارت هذه الأزمة مخاوف كثيرة لدى الجهات التي تملك سندات إذنية حكومية في الولايات المتحدة، وكذلك أثارت مخاوف وقلق الدول التي تتعامل بالدولار كعملة رئيسية، وروسيا ليست بعيدة عن هذه المخاوف، رغم تعاملها المحدود في السندات الحكومية الأميركية، ومن الواضح في إطار الحل الوسط الذي توصل إليه الديمقراطيون والجمهوريون في واشنطن حول رفع سقف المديونية، أن مؤشر تصاعد الديون على الحكومة الفيدرالية سوف يستمر في التصاعد، مما يعني ان الموارد المتوفرة لدي الدولة لا تكفي لسد حاجاتها.

وباعتبار الولايات المتحدة صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، فإنها تلقي بالتبعية جزء من العبء على عاتق الاقتصاد العالمي بأسره، خاصة وأن هذه الدولة تعيش منذ عقود طويلة مضت على حساب الاقتصاد العالمي، وتستغل بشكل سيء الموقع المحتكر الذي يتمتع به الدولار في الاقتصاد العالمي، وقد عبر عن ذلك رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين في تعليقه على قرار الحل الوسط بين الجمهوريين والديمقراطيين.

فقد رحب بوتين بالقرار كحل مؤقت للأزمة، لكنه أضاف قائلا «ان قيام الادارة الاميركية برفع سقف الديون الحكومية يؤجل فقط موعد اتخاذ قرارات حاسمة بالنسبة الى الاقتصاد الاميركي الذي يستغل احتكار الدولار بشكل طفيلي».

وأضاف بوتين قائلا «إن هذا القرار لا يقدم شيئا إيجابيا في طريق حل الأزمة، بل إنه فقط مجرد تأجيل لعملية اتخاذ قرارات مهمة وحاسمة يجب أن تتخذ اليوم قبل الغد"، وشرح بوتين الأزمة العالمية قائلا» «الاقتصاد المعاصر يقع تحت تأثير العولمة، وكافة الدول تتوقف بعضها على البعض بشكل او بآخر.

وعندما يتعرض الاقتصاد الاميركي، وهو الاقتصاد الرائد في العالم، لاضطراب بنيوي، فلا ينطوي ذلك على اي شيء سوى مخاطر وتهديدات كثيرة للعديد من دول العالم، وليس فقط الدول النامية والدول التي تعتمد الدولار كمعيار لعملاتها، بل أيضا للدول الكبيرة مثل روسيا والصين والدول الأخرى التي تملك احتياطيات كبيرة من الذهب والعملات الصعبة التي تحسب أيضا بالدولار، أي أن الاضطراب سوف يصيب الاقتصاد العالمي بأسره".

هكذا لخص رئيس الوزراء الروسي الأزمة من الناحية الاقتصادية، لكنه، لأسباب دبلوماسية، لم يتعرض لجوهر الأزمة من الناحية السياسية، خاصة داخل الولايات المتحدة الأميركية، فهذه الدولة التي تعاني من الانزلاق التدريجي في مستنقع الديون بالدرجة التي من الممكن أن تخنقها تماما في المستقبل القريب، لا تتوانى عن الاستمرار في الإنفاق العسكري الباهظ الذي يعادل ضعف إنفاق جميع دول العالم مجتمعة.

ولا يجرؤ أي رئيس يأتي في البيت الأبيض على المساس بالإنفاق العسكري، وكأنه القسم غير المعلن الذي يقسمه الرئيس قبل توليه الرئاسة، وإذا حاول مخالفته أو المساس به فإن هذا يعني تجاوز الخط المقدس، والغريب في الأمر أن أكثر من ثلثي الديون الأميركية المتراكمة على مدى العقدين الماضيين.

والتي اقتربت من خمسة عشرة تريليونات من الدولارات، إنما ترجع إلى الإنفاق العسكري، سواء على شراء السلاح من المجمع الصناعي الحربي الأميركي الذي تملكه مجموعة من طغمة أثرياء العالم، أو الإنفاق على الحروب والعمليات العسكرية الأميركية المنتشرة في أنحاء العالم، فمن المعروف أن مخصصات البنتاجون الأميركي خط أحمر لا يمكن الاقتراب منه، حتى وإن بدا في بعض الأحيان أن هناك تخفيضا في بعض بنود الميزانية العسكرية، مثل التي اقترحها الرئيس أوباما بمقدار أربعمئة مليار دولار على مدى أكثر من عشرة أعوام، فإن هذا لا يمكن أن يمس عملية التحديث وشراء السلاح الجديد من المجمع الصناعي الحربي، والذي يقدر بنحو ترليونين من الدولارات في أقل من عقد من الزمان، وهذا التناقض الواضح.

للأسف ليس محل نقاش في واشنطن بين الجمهوريين والديمقراطيين، بل حتى أنه ليس محل نقاش في وسائل الإعلام الأميركية التي يمتلكها الأثرياء من أباطرة النفط وصناعة السلاح. أزمة ديون الولايات المتحدة الأميركية هي بمثابة قنبلة موقوتة سوف تنفجر آجلا أو عاجلا، وأضرار انفجارها وتداعياته سوف تمتد لتشمل معظم دول العالم.

وإذا كان إفلاس دولة أوروبية صغيرة مثل اليونان يمكن أن يؤثر على اقتصاد القارة الأوروبية كلها، فإن انفجار أزمة الديون الأميركية سوف يمس معظم دول العالم، وكنا نتمنى أن يسفر الخلاف الأخير بين الديمقراطيين والجمهوريين عن وضع حد لتداعيات هذه الأزمة، ولكنهم آثروا تغطية النار ببعض الرماد إلى حين، لتظل المصالح الشخصية هي الموجه الرئيسي لسياسات الدولة صاحبة أكبر اقتصاديات العالم.

Email