خطة روسية لأزمة النووي الإيراني

ت + ت - الحجم الطبيعي

تبذل روسيا جهوداً مستمرة للحد من التصعيد في الملف النووي الإيراني بين طهران ودول الغرب، خاصة وأنها تشعر بالخطر من الاستمرار في فرض عقوبات جديدة على إيران قد تدفعها في النهاية، وتحت الضغوط المستمرة، على الضرب عرض الحائط بكافة الاتفاقات والمباحثات والمضي قدما في برنامجها النووي بالشكل الذي لا يريده لا الغرب ولا روسيا نفسها، وكان هذا هو السبب وراء طرح موسكو خطة جديدة لحل الأزمة طرحها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف على الرئيس الأميركي أوباما أثناء زيارته الأخيرة لواشنطن، وهي الخطة التي أطلق عليها «سياسة الخطوة خطوة».

وشرح لافروف الخطة للرئيس الأميركي ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون قائلاً « إن كل خطوة محددة من إيران، ستُقابل بخطوة تصالحية من الدول الغربية، مثل تجميد بعض العقوبات وتقصير أمدها على سبيل المثال»، وأبدت طهران من جانبها استعدادها لدراسة الخطة الروسية، لكن جهات إيرانية مختصة طرحت تساؤلات تعتبر مشروعة، أوّلها أنه لم يوضح موقف الدول الغربية إذا لم تقتنع بأجوبة طهران، وهل ستقف روسيا إلى جانب هذه الدول لتشديد العقوبات على إيران.

وهل سيشكّل هذا المشروع عاملاً مساعداً لاصطفاف دولي جديد ضدها؟، وتتساءل الجهات الإيرانية أيضاً هل أن الدول الغربية ستعتبر الأجوبة الإيرانية كافية، إذا قبلتها الوكالة الذرية، أم أنها ستطرح مطالب أخرى خارجة عن إطار الوكالة؟، كما تشك طهران في أن تأخذ هذه الخطة مصالح إيران بعين الاعتبار.

روسيا من جانبها هي الطرف الوحيد الذي يتمنى إنهاء هذا النزاع في أقرب وقت ويسعى لذلك بكافة الوسائل، فالبرنامج النووي الإيراني في النهاية إنتاج تقني روسي، وخلال الأسابيع القادمة سيبدأ التشغيل النهائي لمحطة بوشهر الكهروذرية، التي بنيت بمساعدة روسيا. وذلك بعد أن أكدت شركة «اتوم ستروي اكسبورت» الروسية التي أنجزت بناء محطة بوشهر، أن فيروس «ستوكسنت» لم يتمكن من دخول نظام إدارة العمليات التكنولوجية بالمحطة، وأن تشييدها تم في موقع يجعل اتجاه الهواء والرياح لا يسري من المحطة إلى المدينة، ما ينفي إمكانية أي تلوث محتمل منها باتجاه المدينة.

ومع بدء تشغيل المحطة كان وزير الخارجية سيرجي لافروف في وقت سابق قد كشف عن قلق روسيا إزاء توقف للمباحثات الدولية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني، ودعا المشاركين في هذه المحادثات (الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وألمانيا وإيران) إلى استئنافها، وإخراجها من نقطة الجمود عبر ابتكار مقترحات جديدة لتسوية الأزمة.

وأعلن لافروف موقف موسكو الرافض لفرض عقوبات دولية إضافية ضد إيران. وأوضح أن العقوبات التي تم فرضها وفقا لقرار صادر عن مجلس الأمن تشمل جميع المجالات المتصلة بالبرنامج النووي بصورة أو بأخرى، لهذا لا يمكن أن يكون لأي عقوبة جديدة صلة بالهدف المرجو تحقيقه، واعتبر وزير الخارجية أن أي عقوبة إضافية ستؤدي في الوضع الراهن إلى «خنق إيران»، كما اعتبر لافروف أيضاً أن المبادرات المطلوبة لابد أن تؤسس على أفعال محددة تقنع إيران بأنها ستحقق خططها التنموية إذا قدمت ردودا وافية على أسئلة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

لقد أعلنت موسكو من قبل أنها تضمن سلمية البرنامج النووي الإيراني، ومن المؤكد أن روسيا تعارض وجود أغراض عسكرية في البرنامج الإيراني النووي، انطلاقا من مساعيها لحماية أمنها الخاص، ولا يمكن أن تقبل موسكو بتواجد صواريخ استراتيجية على حدودها يمكن أن تهدد الأمن الوطني، لكن المسألة تكمن في رؤية روسيا لكيفية معالجة هذه الأزمة.

ويمكن القول ان احتمال استخدام طهران للأسلحة والصواريخ النووية قد يهدد روسيا، وربما يصل التهديد بعد ذلك إلى أوروبا، لكنه بالقطع لن يطال الأمن الأميركي من بعيد أو قريب، وإذا كانت واشنطن تحرص على ضمان أمن حلفائها سواء في أوروبا أو في منطقة الخليج، فإن هذا التوجه مشروع في حد ذاته ولا غبار عليه، لكن التعامل معه لا يكون بالقوة والتشدد والتعسف في استخدام الحق، ومصادرة حقوق الآخرين في استخدام الطاقة الذرية في الأغراض السلمية.

إيران من جانبها أعلنت استعدادها لدراسة خطة «سياسة الخطوة خطوة» التي اقترحها لافروف. وأكد الناطق الرسمي باسم الخارجية الإيرانية رامين مهمانبرست أنه يتعين على الدول الساعية لإيجاد حل للملف النووي الإيراني اللجوء إلى آليات تضمن حقوق الشعب الإيراني، وعلى رأسها حقها في استخدام الطاقة النووية السلمية، مؤكداً أن إيران تستطيع الاستمرار في التفاوض على هذا الأساس فقط.

ولاشك أن تفجر الثورات العربية، وخاصة الانتفاضة المتصاعدة في سوريا، تؤدي لحالة من القلق والتوتر لدي طهران، التي تري في انتصار هذه الانتفاضة، بداية مرحلة عزلها، وفرض حصار عليها. وتدفع هذه التطورات حكومة طهران للإسراع في إنهاء مشروعاتها النووية، ورغم الخلاف بين روسيا والغرب حول تشديد العقوبات ضد إيران لإجبارها على الامتثال لطلبات المجتمع الدولي، أو استخدام القوة، بدأت تتنامى قناعة لدى أوساط سياسية مختلفة، أن طهران نجحت في تنفيذ برنامجها السلمي والدفاعي، دون أن تصل بالعالم إلى هاوية الصدامات العسكرية لتفرض نفسها على المعادلة الدولية من خلال موقع جديد.

Email