الأميركيون بين أزمتي البطالة والتسريح

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما انتهيت من إجراءات الحجز بأحد الفنادق في ولاية إنديانا قبل أيام، رحبت بي موظفة الاستقبال الليلي، وهي شابة تعاني من قدر من العرج الملحوظ. وقالت إنها سقطت في حفرة وتعرضت للإصابة، وخضعت لثلاث عمليات جراحية في ساقها، لكنها لا تزال معتلة. كانت تعمل بدوام كامل للمساعدة في إعالة والديها.

حيث كانت والدتها مصابة بتمدد الأوعية الدموية، الأمر الذي ألزمها الفراش، بينما كان والدها معاقاً. ولم تتمكن من تحمل كلفة التأمين الصحي، لذلك فقد اضطرت هذه الفتاة لمواصلة الإنفاق على نفسها وأسرتها. وفي الوقت الذي يرهق الكونغرس نفسه بالانشغال بأزمة وهمية تماماً اصطنعها الساسة تتعلق برفع سقف الديون، يكافح العديد من الأميركيين من أجل تحمل نفقاتهم، لشراء الطعام والغاز والتأمين الصحي. فالديون الدراسية تتجاوز قيمة ديون بطاقات الائتمان، في الوقت الذي يعي الكثيرون منهم أهمية الحصول على التعليم العالي أو التدريب، برغم أنهم مثقلون بالقروض التي لا يستطيعون سدادها على مدى عشر سنوات أو أكثر.

وبمجرد رفع الستار وانتهاء الدراما المأساوية في واشنطن، سوف يتم رفع سقف الديون، لكن الفجوات في أرضية المسرح آخذة في الاتساع. ويعتبر تزايد معدل الفقر لدى من كانت لديهم وظائف سابقاً وأصحاب المنازل السابقين بمثابة خسائر في هذه الحرب الداخلية. فهؤلاء الناس لا يزالون يتساقطون واحداً تلو الآخر بسبب هذه الأزمة الطاحنة، في الوقت الذي يتطلع آخرون لارتفاع السقف بما يحمي امتيازاتهم. ويعد هذا الانفصال مضللاً. ففي واشنطن، يصر رئيس مجلس النواب جون بوينر وزملاؤه من المحافظين على أن خفض الانفاق سوف يوفر فرص عمل جديدة من خلال زيادة الثقة في الأعمال التجارية.

وفي إنديانا وشيكاغو ومختلف أنحاء أميركا، يقول رجال الأعمال الذين أتحدث معهم إنهم لا يوظفون أحداً لأن الزبائن لم يعودوا يترددون عليهم، فهم يبيعون أقل ويكسبون أقل. كما أنهم يكافحون من أجل الحفاظ على الربحية من خلال خفض التكاليف أو تسريح العمال أو تقليص الفوائد أو تقصير ساعات العمل. وهم يرون أن التسريح المرتقب للمدرسين والشرطة أو استنفاد التأمين ضد البطالة أو خفض ضريبة الرواتب يشكل تهديداً للاقتصاد، وليس أمرا واعداً، الأمر الذي سوف يكلفهم الزبائن ولا يمنحهم الثقة.

لطالما حذر مارتن لوثر كينغ من أن السود يأتون في ذيل القائمة دائماً في ما يتعلق بنيل نصيبهم من الرخاء، بينما يدفع بهم في المقدمة وقت المصائب، وآخر من يوظفون وأول من يتم تسريحهم. لقد قطعنا شوطاً كبيراً في إنهاء الفصل العنصري وفتح الأبواب المغلقة. واليوم عندما يلعب فريق «شيكاغو بيرز» أمام إنديانا بوليس كولتس في مباراة لكرة القدم، يرتدي البيض من شيكاغو قمصانهم الهستر، بينما يرتدي السود من انديانابوليس قمصان المانينغ، وكلا الفريقين يقوم بتدريبه مدربون سود. وعندما انتخب باراك أوباما رئيساً لأميركا، تعجب الأوربيون، ذلك أنهم يعرفون أنه من المستحيل انتخاب رئيس من الأقلية في هذا المنصب في بلادهم.

ولكن حتى برغم هذه الخطوات، فإن حالة عدم المساواة الاقتصادية والعنصرية تزداد سوءاً أكثر مما كانت عليه عندما رحل عنا الدكتور كينغ. وفي غمار هذه الأزمة، عانى السود أكثر من غيرهم. فقد تم استهداف الأميركيين الأفارقة من قبل أصحاب الرهن العقاري، الذين راحوا يبيعون الرهن العقاري على نطاق واسع لعملائهم الذين يعرفون أنهم لا يمكنهم تحمل الدين، وفي كثير من الحالات لم يفطنوا إلى ذلك. فالمنازل تشكل تقريبا كامل الثروة التي تمتلكها الأسر ذات الدخل المتوسط. فقد خسروا ما يقرب من نصف قيمتها في العديد من المجتمعات، الأمر الذي قضى على الثروة التي ظن الكثيرون منهم أنها تساعدهم في تسديد نفقات التعليم الجامعي أو التقاعد.

وكانت النتيجة مأساوية. ففي عام 2004، بلغ متوسط ثروة الأسرة من البيض حوالي 143,280 ألف دولار، بينما بلغت حوالي عشر هذه القيمة بالنسبة للسود، أي حوالي 13,450 ألف دولار. ولكن كانت هناك طبقة متوسطة جديدة من السود في تزايد، وتتوسع في شراء المنازل، وبدأت تشعر بقدر أكبر من الأمن. حينئذٍ حل الكساد الكبير. وبحلول عام 2009، فقدت أسر البيض ما يقرب من ربع ثروتها، التي وصلت إلى أقل من 98 ألف دولار. وفقد السود نحو 83% من ثروتهم، التي وصلت إلى 2,170 دولار. أما الطبقة المتوسطة الصاعدة حديثاً فقد أصابها الهلاك.

ولا عجب في أنه في ظل تدني أعداد العمالة من الذكور السود إلى مستويات قياسية، عمل 56% منهم فوق سن العشرين. فالأسر آخذة في استنفاد مدخراتها، حيث تواجه حالات حبس الرهن وفقدان الأمل. وعلى الرغم من أن معدل البطالة قد انخفض بشكل طفيف بين البيض منذ أن بدأ الاقتصاد في النمو مرة أخرى، فقد استمرت معاناة السود من ارتفاع معدلات البطالة. ومن المحتمل أن تستمر في الارتفاع في الوقت الذي يواجه موظفو الحكومة، والأقلية على نحو ظالم، عملية التسريح بصورة حادة.

Email