التعامل مع قضايا المجتمع البريطاني

ت + ت - الحجم الطبيعي

أسعدني كثيراً وجودي في لندن، أخيراً، لحضور انطلاق أول موقع لـ «هافينغتون بوست» خارج أميركا الشمالية، وهو «هافبوست يو كي».

تستحوذ بريطانيا دائماً على مكانة خاصة في قلبي. فالوقت الذي أقضيه هناك يجدد نشاط أركان حياتي. وساعدني الوقت الذي قضيته في النقاش في اتحاد كمبردج على التغلب على خوفي من التحدث أمام الجمهور، خصوصاً مع لكنتي اليونانية الواضحة. لقد وضعني هذا النقاش في بؤرة انتباه الناشر البريطاني الذي عرض توقيع أول عقد لكتابي.

وتشكّلت السنوات التي قضيتها في لندن من خلال علاقة استمرت سبع سنوات مع الكاتب البريطاني برنارد ليفين، حيث كانت نهاية هذه السنوات العامل الرئيسي الكافي لإخراجي ليس فقط من هذه العلاقة، ولكن من بريطانيا ككل.

كيف لعبت بريطانيا أيضاً دوراً رئيسياً في نشأة «هافينغتون بوست»؟ كان ذلك في السابع من يوليو عام 2005، أي بعد شهرين من تدشين الموقع . فقد كنت أقرأ نسختي من صحيفة «نيويورك تايمز»، والتي كانت صفحتها الأولى تحمل صوراً لمواطنين من لندن يحتفلون بفوز المدينة بتنظيم فعاليات دورة الألعاب الأولمبية في عام 2012. كان ذلك ما حدث تقريباً. ففي غضون ذلك، لم يكن انطلاق «هافبوست» في لندن مجرد إضافة جديدة لنا، لكن قام مدونونا في لندن بتقييم ردود الأفعال إزاء ذلك لحظة بلحظة.

لقد وصلنا إلى المملكة المتحدة في خضم ثقافة الإعلام المزدهرة التي تميزت بالابتكار الكبير. فالقرار الذي اتخذته صحيفة «غارديان» بتوجيه المزيد من التزامها «للصحافة المفتوحة» يعتبر أمراً مثيراً بشكل خاص.

وكذلك الاستخدام البارع لأسلوب سرد الأخبار لتسليط الضوء على القضايا المهمة، كما تبين من خلال التقرير الذي نشرته صحيفة «إندبندنت» البريطانية، أخيراً، بشأن الطبقة العاملة «المعزولة والمهددة والمحاصرة» في بريطانيا. إننا نتطلع إلى تسليط الضوء والربط مع هذه التقارير الكبيرة، ودفع الزخم باتجاهها، وتأجيج الحوار حول القضايا التي تثيرها.

منذ أن قرأت رواية للكاتب بنيامين دزرائيلي «سيبل» عندما كنت أدرس في جامعة كمبريدج، أحببت المؤلفين الذي لديهم القدرة على استخدام الأسلوب الروائي لإثارة عواطف القراء، وإحداث تغيير في عقولهم، والذين لديهم تأثير على عالمنا. ألف دزرائيلي رواية «سيبل» في عام 1845، قاصداً أن تكون الرواية جرس إنذار حول الحالة الرهيبة التي تعيشها الطبقة العاملة البريطانية.

 وقد أثارت هذه الرواية ضجة كبيرة وحالة من الغضب أدت إلى إصلاحات اجتماعية أساسية. في القرن 19، كان السلاح الذي استخدمه ديزرائيلي ضد المظالم الاجتماعية في بلاده هو كتابة رواية. أما في القرن 21، فإن وسائل الإعلام الجديدة والمنصات الاجتماعية وثورة الهواتف المزودة بالكاميرات كلها بمثابة تسليح لجيل جديد من سرد القصص بطرق جديدة شاهدة على العالم المحيط بنا.

وعلى الرغم من أن أساليب سرد القصص لدينا قد تغيرت منذ زمن دزرائيلي، فقد باتت أخطار التفكك إلى دولتين واقعية للغاية. لقد كان جزءاً من مهمة «هافنغتون بوست» منذ انطلاقها هي تسليط الضوء على الأخبار التي لم تلق تغطية كافية حول نضالات العائلات الكادحة. وإننا نخطط لمواصلة هذه المهمة من خلال «هافبوست يو كي».

وسوف يعني هذا أن تأريخ جزء من هذه القصة الجارية لمبادرة «المجتمع الكبير» التي أطلقها رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون. في مجتمع ديمقراطي غربي تقريباً، كما هي الحال في المؤسسات الموثوق بها من كل نوع، سوف يساهم في إقامة علاقات جديدة بين الناس وحكوماتهم. فما هي ملامح هذه المرحلة المقبلة من الرأسمالية؟ هل هي مبادرة المجتمع الكبير، حسبما وصفها زعيم المعارضة البريطاني إد ميليباند بـ «جبهة التخفيضات»؟ أم أنها محاولة لتشكيل حياة وسياسية جديدة أكثر قوة مدنية من أجل الصالح العام؟

وكما قال مايكل ساندل، الأستاذ في جامعة هارفارد، لصحيفة «ديلي تلغراف»: «أعتقد أن ذلك يمكن أن يمثل بداية لسياسة جديدة. وسواء كان ذلك ممكناً، فسوف يبقى السؤال مفتوحاً. ولكن فيما يتعلق بالفكرة القائلة إن الأسواق والدولة ليست الأدوات الوحيدة لتحقيق الصالح العام، فإنني أجد هذا الأمر مثيراً للفضول، ويستحق الاستكشاف».

ويتمثل جزء كبير من النقاش حول كيفية المضي قدماً في الواقع في التركيز على ما كنا عليه. لذا سنقوم أيضاً بتغطية، على سبيل المثال، المحاولات التي تقوم بها سيمون شاما بتنشيط مسألة تدريس التاريخ في جميع أنحاء بريطانيا. فقد صرحت في مقابلة مع مراسل «هافبوست» جوي ريسموفيتس: «في نهاية المطاف، يقدم التاريخ نوعاً من الحكمة التي تعلم كيفية العيش بشكل أكثر جدارة داخل الإنسان».

وعندما تحاول معرفة ما الذي سوف يكون عليه الحال في المستقبل، فإن ذلك يساعد على معرفة ما كنت عليه في الماضي. وحسبما تقول شاما: «تكمن البذرة الأولى لفقدان الذاكرة في التراجع عن الشعور بالمواطنة. وذلك لأن التاريخ الجاد عبارة عن الولوج في حياة الآخرين».

 

Email