الدستور المغربي الجديد وقضية الصحراء

ت + ت - الحجم الطبيعي

استأنف كل من المغرب والجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو) مفاوضاتهم الأسبوع الماضي في نيويورك في محاولة للتقريب بين وجهتي نظريهما في ما يتعلق بتسوية محتملة لهذه القضية، وأجرى الجانبان في جلسة التفاوض مزيدا من المباحثات حول المقترحات التي تقدما بها من أجل تسوية النزاع على الصحراء الغربية الذي بدأ عقب ضم المغرب لهذه المستعمرة الإسبانية السابقة في 1975.وركزت جولة التفاوض، وهي الثامنة بين الطرفين، على قضية إحصاء الناخبين الذين يحق لهم المشاركة في استفتاء محتمل وآليات تقرير المصير لسكان الصحراء الغربية.

وقال بيان صدر عن الأمم المتحدة التي عقد الاجتماع تحت رعايتها وبرئاسة كريستوفر روس المبعوث الخاص للسكرتير العام للأمم المتحدة الخاص بقضية الصحراء الغربية أن طرفي النزاع سيواصلان كذلك نقاش الأفكار الجديدة التي قدمها الأمين العام في تقرير أصدره في وقت سابق من هذه السنة، وسيتمكنون من مراجعة وضع تدابير بناء الثقة، وسيواصلون دراسة موضوع نزع الألغام ويستعرضان بشكل أولى موضوع الثروات الطبيعية. ولم يذكر البيان أي تفاصيل عن هذه الإجراءات بما يعنى أن هناك مقترحات سيقدمها الوسيط الأممي للطرفين قد تساهم في إحداث اختراق ما في المفاوضات بعدما جرت سبع جولات سابقة من دون حدوث أي اختراق.

وقد جرت هذه الجولة في ظل تطور مهم شهدته المغرب قبل أسبوعين وهو الاستفتاء على المقترحات الدستورية التي قدمها الملك محمد السادس، والتي حصلت على تأييد حوالي 98% من الذين شاركوا في التصويت، وتراوحت نسبة التصويت بين 73% حسبما أعلن وزير الداخلية، و50% حسب تقديرات أخرى مستقلة. ولكن في كل الأحوال فإن النسبة التي أيدت المقترحات جددت شرعية نظام الحكم، الأمر الذي يقوى من الموقف التفاوضي له في مواجهة وفد بوليساريو.

ومن الأمور اللافتة للانتباه في التعديلات الدستورية المغربية الأخيرة، هو أنها اعترفت بالثقافة الحسانية، والثقافة الحسانية هي ثقافة أهل الصحراء الغربية. وهذا الاعتراف قد يكون أحد وسائل المؤسسة الملكية في المغرب لاستمالة سكان الصحراء الغربية للموافقة على أن تكون منطقتهم جزءا من المملكة المغربية. وهى خطوة تضاف إلى خطوات أخرى سبق اتخاذها من أجل دفع هؤلاء إلى اتخاذ قرار الانضمام إلى المغرب في حال أجرى استفتاء على هذا الأمر. وكانت أولى الخطوات هي قانون الإدارة المحلية الذي أعطى للمناطق سلطات واسعة تقترب من الحكم الذاتي، وقيل وقتها أنه يمهد الطريق أمام اختيار سكان الصحراء خيار الحكم الذاتي ضمن المملكة المغربية.

فهل ترضى هذه الخطوات سكان الصحراء؟ للإجابة على هذا السؤال لابد من أن نفصل بين نوعين من هؤلاء السكان، النوعية الأولى هم السكان العاديين، والنوعية الثانية هم المنخرطين في منظمة بوليساريو. وبالنسبة للفئة الأولى يمكن القول إن هذه الإجراءات يمكن أن تدغدغ عواطفهم إزاء اتخاذ قرار التصويت لصالح الانضمام إلى المغرب. أما بالنسبة إلى الفئة الثانية فبالطبع هم من المؤدلجين الذين يرفضون أي خيار سوى أن تصبح منطقتهم دولة لسكانها، وهؤلاء هم الذين يتفاوضون مع المغرب في مانهاست، وهذا يعنى أن المفاوضات في هذه الجولة أو أي جولة مقبلة ستظل تراوح مكانها، بالنظر إلى الهوة الواسعة التي تفصل بين الفريقين المتفاوضين. ويصبح الحل هو إما إجراء الاستفتاء وفقا لخطة الأمم المتحدة، وهو أمر من الصعوبة بمكان بالنظر إلى الخلاف الحاد بين الجانبين حول إجراءات تسجيل الناخبين وبالتالي حول من لهم حق التصويت في الاستفتاء، أو البحث عن حل آخر من خارج خطة الأمم المتحدة ولكن تحت إشرافها، أي برعاية المبعوث الخاص للسكرتير العام للأمم المتحدة.

أما الحل من خارج الخطة الأممية فهناك عقبات كثيرة تقف أمامه في مقدمتها موقف الجزائر التي تعتبر راعية لبوليساريو. وهذا أمر يعد من الصعوبة بمكان. وهناك من يرى أن المغرب استطاع في السنوات الأخيرة أن يحدث انشقاقات داخل بوليساريو وانه في هذه المرحلة يمكن أن تؤدى سياساته إلى إحداث فجوة بين المنظمة وقاعدتها السياسية والاجتماعية بعد التعديلات الدستورية التي اعترفت بثقافتهم المحلية كمكون من مكونات الهوية المغربية.

والخيار المتاح أمام المغرب هو أن يعطى لقيادات بوليساريو دور رئيسي في الحكم الذاتي للمنطقة الصحراوية، ففي هذه الحالة يمكن أن تشهد المنظمة مزيدا من الانشقاقات، خاصة وأن التعب بدا يظهر عليها وأيضا على القوى الإقليمية الداعمة لها، حيث بدأت هذه القوى تعانى من تراجع إقليمي من جهة، ومن ضغوط دولية لكي تراجع سياستها الخاصة بالمسألة الصحراوية، لأن هذه السياسة وما تؤدى إليه من توتر في منطقة شمال إفريقيا وساحل الصحراء، أضعفت من إمكانيات تبنى سياسة أمنية جماعية لدول المنطقة، تستهدف التصدي لخطر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي يعمل بنشاط في هذه المنطقة. وبالتالي فإن هذه الضغوط يمكن أن تؤدى إلى تراجع نسبى في تأييد بوليساريو من قبل قوى إقليمية أو أن تسعى هذه القوى إلى إقناع المنظمة بالقبول بحل يحفظ ماء الوجه في هذه المرحلة، خاصة وأن المغرب قدمت مزايا مهمة لسكان الصحراء في السنوات الماضية، قد تكون هي الحافظة لماء وجه المنظمة أمام عناصرها والقوى التي تتعاطف معها. فهل يكون الدستور الجديد هو الأرضية التي يتم عليها حل المسألة الصحراوية؟

الأيام القادمة سوف تجيب على هــذا السؤال.

Email