بعد أن كشفت اللجنة الوطنية لانتخابات 2011، عن أسماء الهيئات الانتخابية المقرر مشاركتها في انتخابات المجلس الوطني الاتحادي القادمة، والمزمع إجراؤها في شهر سبتمبر المقبل، نتوقف عند المعطيات التي فرشت الأرضية للشروع في هذه التجربة التي تقام للمرة الثانية في تاريخ دولة الإمارات منذ تأسيسها في عام 1971، والتي قطعت شوطا منذ اللحظات الأولى لإرهاصات ولادة مجلس وطني اتحادي نصفه منتخب، وحتى اللحظة التاريخية الثانية في عمر ثقافة الانتخاب في هذا العام. ولعل توسيع دائرة المشاركة ومضاعفة عدد الناخبين، ليبلغ العدد النهائي 129 ألفاً و274 عضواً يمثلون الهيئات الانتخابية لكل إمارات الدولة، يحدد ملامح المرحلة القادمة التي ستركز على شكل التجربة ومضمونها، ومدى نجاحها واستقرارها في وجدان المواطن الإماراتي، سواء كان من الهيئات الانتخابية أم من خارجها.
ورغم أن السنوات الخمس التي مضت من عمر هذه التجربة جديرة بالدراسة والتمحيص، إلا أن المرحلة الثانية تأتي في أجواء مشحونة من الرهانات التي تضع المنطقة العربية، وليس دولة الإمارات فقط، في إطار من التحدي لتأكيد النية على مزيد من الصبغة الديمقراطية، ناهيك عن أن استمراريتها وتوسيع دائرتها سيتيحان فرصة أكبر لفهم الحدث الانتخابي من ناحية، وتحقيق نسبة أعلى من التفاعل والتقاطع مع سياسة التمكين السياسي للمواطنين، الذي توجه له القيادة في الدولة من ناحية أخرى. ومن المفيد أن نفهم هذه المرحلة كجزء من تخطيط متدرج، يهدف إلى تعميق ثقافة الانتخاب كثقافة عامة لدى الجمهور، ويهيئ استقرارا غير مفتعل للتجربة البرلمانية الكاملة والمنشودة، حتى يحين الوقت المناسب لانتقال هذا الحدث من كونه مجرد تجربة، إلى مرحلة الاحتراف في إدارة الشؤون التشريعية والرقابية في الدولة. لذا من الضروري للناخب أو المرشح أن يتعرف على الدور المطلوب منه ومن المجلس، دون مبالغة أو تحميل للحدث الانتخابي فوق ما يحتمل، ويدرك أبعاد المسؤولية والمهام المنوطة بالمجلس الوطني في شكله الحالي ودوره وفقا للدستور.
وربما لا يخفى على الكثير أن هناك شبه جهل لدى البعض بمهام المجلس وأدواره ولجانه وعدد أعضائه والسقف المتاح له، وهذا الجهل ينسحب على الكثير من الأسماء التي ضمتها الهيئات الانتخابية، وذلك نتيجة حتمية لسياسة طويلة من تحمل الدولة لعبء تعيين أعضاء المجلس الوطني، لدرجة أن المجلس وما يحدث بين أروقته كان آخر هموم المواطن البسيط. وقد توجد أسباب أخرى لعبت دورا في هذه القطيعة بين المجلس وبين المواطن، لعل أهمها هو محدودية الدور المنوط به كمجلس استشاري، يقوم بمهمة إبداء الرأي وتكوين لجان متابعة ليست لها صفة تشريعية أو رقابية.
إن الطموح الذي يغلّف الرؤية المستقبلية لبرلمان وطني اتحادي، لا بد أن يقيّم التجربة بدءا من مجلس 2006 وليس ما قبلها، لأن العديد من الأسماء التي دخلت هذا المجلس، سواء من خلال الانتخاب أو التعيين، حظيت بشبه اتفاق جماهيري ونالت قبولا نوعيا. ولا يمكن إسقاط هذه المرحلة، بل من المهم دراستها واستكمال مشروعها بالنسبة للراغب في الترشح لعضوية المجلس، إضافة إلى أن القيام بخطوة نحو باب الترشح، لا بد أن تخضع لمعايير تبتعد، من وجهة نظري المتواضعة، عن شروط الترشح التي حددتها اللجنة الوطنية للانتخابات. وبمنتهى الصراحة، لا يمكن لشخص أن يقدم الإلمام المطلوب للنائب من ناحية الوعي والثقافة والخبرة، لمجرد أنه يستطيع أن يقرأ ويكتب، لذا "رحم الله امرءًا عرف قدر نفسه".
فالمشهد الانتخابي السابق في انتخابات مجلس 2006، دفع بالغث والسمين إلى خيام الترشيح، وتحولت الفكرة من كونها تكليفا وطنيا، إلى نوع من الترف والتباهي والنعرات القبلية، فالبعض يأخذه زهو الترشيح للهيئة الانتخابية، إلى مبلغ تختلط فيه الأمور أمامه من كونه مجرد رقم انتخابي، إلى مشروع عضو في المجلس الوطني قد لا يمتلك كل المفاتيح والمعايير الشخصية التي تجعله مؤهلا حقيقيا، وليس مجرد واجهة شرفية لقبيلته مثلا، والبعض الآخر تحول إلى واجهات إعلامية متنقلة تدعي الفهم والوعي، ولعل هذه الفئة أكثر انكشافا وسقوطا. فهذه النقلة النوعية لدخول المجلس، تتطلب مراكمة الخبرة الذاتية للعضو، من ثقافة واسعة وأفق متقاطع مع الأحداث المحلية والعالمية بعمق واضح، فسياسة التطفل التي يستمرئها البعض تجاه كل شيء، لا تتناسب مع الرغبة في رفع مستوى التجربة في هذه المرحلة تحديدا، ولا نريد أن نستمع إلى نائب لا يعرف على سبيل المثال الفرق بين النظام الفيدرالي والكونفدرالي.
من ناحية أخرى، لا بد أن نستفيد من دروس دخول المرأة في المجلس الوطني السابق، وإن دخلته عبر بوابة التمكين وليس بفعل انتخابي مباشر إلا باستثناء واحد فقط. ولعل إخفاق المرأة كان إحدى النتائج الأليمة لانتخابات 2006، وإن أنصفتها النسبة في هذا العام حيث بلغت نسبة الإناث العامة 46%، إلا أن التحدي منوط بالمرأة نفسها الناخبة والمرشحة معا، وهذا ما تذهب إليه كل نتائج الانتخابات البرلمانية في الدول العربية القريبة والبعيدة. فالمرأة تلعب دورا في خذل المرأة المرشحة، نتيجة إرث من العادات والتقاليد، ما زال يسيطر على البعض منهن.
الكتابة حول هذا الحدث تطول وتتشعب، وتطل برأسها على كثير من القضايا.. ما يحتاج عودة ثانية للموضوع.
كاتبة إماراتية