روسيا والناتو.. مؤشرات حرب باردة جديدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

على ما يبدو أن الأزمة الليبية التي تحولت إلى أزمة حادة ومستنقع يغرق فيه حلف شمال الأطلسي ببطء، تحولت أيضا إلى أزمة أخرى جديدة في العلاقات بين روسيا وحلف الناتو بالإضافة للأزمات المتراكمة في هذه العلاقات. رغم الأجواء الودية التي سيطرت على اجتماع مجلس الناتو ــ روسيا الأسبوع الماضي، إلا أن هذا اللقاء لم يتوصل إلى تقريب مواقف موسكو وحلف الناتو في عدد من القضايا، أبرزها تطورات الأزمة الليبية وملف الدرع الصاروخية.

ورغم تفاؤله «المعتاد» اعترف اندرس راسموسن الأمين العام لحلف الناتو أن روسيا والدول الأعضاء في الناتو لم يتمكنوا من تحقيق نجاحات في إعادة تفعيل علاقات التعاون بينهما.واعتبر مهمة إطلاق علاقات الشراكة الحقيقية ليست سهلة، لكنه أعرب عن قناعته بضرورة التعاون بين روسيا والناتو في المجال الأمني بسبب ازدياد حجم المخاطر والتهديدات.بينما اعتبر الرئيس ميدفيديف أن عمليات الناتو العسكرية في ليبيا اختبارا لصلاحية إستراتيجية الناتو الجديدة القائمة على الشراكة بين روسيا والحلف، مؤكدا أن الجانبين متفقان حول ضرورة دعم ليبيا لتصبح دولة حديثة وذات سيادة.

وكما كشفت تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في ختام الاجتماع عن بروز خلاف بين الجانبين حول تنفيذ قرارات مجلس الأمن المتعلقة بليبيا، أذ أكد على ضرورة احترام المواثيق والقرارات الدولية.ودعت موسكو كافة الأطراف لإيقاف إطلاق النار وبدء الحوار بين طرفي النزاع في ظل الدعم الخارجي وعدم التدخل في الشأن الداخلي الليبي. فيما أعلن السكرتير العام لحلف الناتو أن مجلس الأمن منح الحلف تفويضا واضحا، وأن قوات الناتو تتحرك ضمن إطار قرارات مجلس الأمن التي سمحت باستخدام القوة وكافة الوسائل اللازمة لمنع تهديد السكان المدنيين، وأبدى راسموسن استعداده لبحث مسار العملية القائمة في ليبيا وغيرها من المسائل في إطار مجلس روسيا ــ الناتو.

واعتبر البيان الصادر في ختام اجتماع مجلس روسيا-الناتو أن السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة الليبية يبدأ بإيقاف أطلاق النار، وبدء المفاوضات السلمية بين أطراف النزاع، لإيجاد تسوية سياسية تحقق الاستقرار في المنطقة وتضمن أمن ليبيا. ولاشك أن مشاركة رئيس جنوب أفريقيا جيكوب زوما الذى وصل إلى منتجع سوتشي على البحر الأسود لإجراء محادثات مع الرئيس الروسي ميدفيديف حول قرار القمة الأفريقية بعدم تنفيذ أمر اعتقال القذافي الصادر من المحكمة الجنائية الدولية، في لقاءات روسيا والناتو كانت من أهم عناصر الضغط الروسية على دول الحلف وقيادته، بهدف لجم عملياتهم العسكرية وإيقاف إطلاق النيران تمهيدا لبدء المفاوضات السلمية بين أطراف النزاع، حيث بدا وكأن روسيا ليست وحدها، بل معها دعم إقليمي هام من القارة الأفريقية.

ملف الدرع الصاروخية كان أيضا من أهم محاور الخلاف بين روسيا وحلف الناتو، ورغم التفاهمات التي توصل إليها الجانبان خلال قمة روسيا ــ الناتو في لشبونة التي عقدت أواخر مايو الماضي، إلا أن موسكو دعت مجددا دول حلف شمال الأطلسي للتخلي عن مبدأ الردع المتبادل، والتعامل مع سياسات جديدة تسعي لمكافحة التهديدات والمخاطر الدولية، وتعتمد مبدأ التعاون بين أطراف المجتمع الدولي.وأفادت مصادر من الكرملين أن موسكو تتمسك بتوفير ضمانات بعدم استهداف وسائل الدرع الصاروخية، التي سيتم نشرها في أوروبا أي سلاح من قوى الردع النووي الروسية.وأضافت هذه المصادر انه ينبغي ان يكون مشروع الدرع الصاروخية الاوروبية بمثابة أداة لتعزيز أمن جميع بلدان مجلس روسيا ـ الناتو، دون استثناء.

وأن يساهم في توطيد الاستقرار الإستراتيجي ولا يضعفه.وأن عدم الرغبة في مراعاة المصالح الروسية في قضية مبدئية، مثل الاستقرار الإستراتيجي، بوسعه إلحاق ضرر كبير بعلاقات روسيا والناتو.هذه التصريحات جاءت كرد على رفض الناتو لمقترحات روسيا في قمة لشبونة، الداعية إلى توجيه منظومتي الدرع الصاروخية لروسيا والناتو إلى خارج الفضاء المشترك حصرا، وأن يحمي كل طرف اتجاهه.إذ اعتبرت وزارة الخارجية الروسية أن نافذة الإمكانيات للتوصل إلى اتفاق ضاقت كثيرا، وإن لم تغلق بالكامل.بل أن مندوب روسيا لدى الناتو روجوزين دعا حلف الناتو للتخلي عن خطة إنشاء الدرع الصاروخية ليقدم بذلك أفضل دليل على عدم توجيه هذا النظام ضد روسيا.

وأشار إلى وجود ثلاث وسائل لفعل ذلك.أولا: عدم إنشاء هذا النظام، ما يعتبر أفضل ضمان لعدم توجيهه ضد روسيا.ثانيا: إنشاء نظام الدرع الصاروخية المشترك الذي يمكن من خلاله أن تساهم روسيا مساهمتها الكبرى في نظام الأمن الأوروبي.ثالثا: إنشاء روسيا لدرعها الصاروخية.

ويدفع الوضع الراهن في علاقات موسكو مع الناتو للاعتقاد بأن عدم التوصل لتقارب في المواقف مع الناتو هو فتيل لإشعال حرب باردة جديدة، تضر بأمن روسيا والأمن الأوروبي والاستقرار الدولي.

Email